العودة المسلحة لـ “الجماعة” (١)… خرق لـ”الطائف” واستغلال للإنكفاء السني الآني

زياد سامي عيتاني

كان لافتاً ومفاجئاً، في خضم حرب الابادة التي تشنها إسرائيل على غزة، أن تقوم “الجماعة الاسلامية” (الفرع اللبناني لتنظيم “الإخوان المسلمين”)، بقصف المستوطنات الاسرائيلية شمالي فلسطين عبر ذراعها العسكرية “قوات الفجر”، بعد سنوات طويلة من الانكفاء العسكري، مطلع ثمانينيات القرن الماضي، عندما صدر القرار السوري (تلبية للرغبة الايرانية) بحصر العمل المقاوم ضد إسرائيل بـ “حزب الله”، وحظره عن باقي الأحزاب والحركات الوطنية والاسلامية التي كان لها باع طويل في مقاومة العدو، إنطلاقاً من مهدها في بيروت.

وطرح إقدام “الجماعة” على تبني إطلاق صواريخ باتجاه الأراضي المحتلة جملة أسئلة في الأوساط السياسية عن أسباب ودوافع اعادة تعويم جناحها العسكري وبصورة علنية، ولمصلحة من يعمل، ومن يتولى قيادته، وما هي أجندة محركيه المحليين والخارجيين، في ظل الانقسامات الداخلية التي تشهدها “الجماعة”؟ وخلال عملية إغتيال القيادي البارز في حركة “حماس” صالح العاروري (نائب رئيس المكتب السياسي)، قضى معه القيادي في “الجماعة” محمد بشاشة ورفيق له. ورافق تشييع بشاشة في صيدا، ظهور مسلح لـ “الجماعة”، بحيث انتشر شبان ملثمون بصورة كاملة، يرتدون بزات عسكرية موحدة، يرفعون قبضات أسلحتهم، ويطلقون زخات من الرصاص في الهواء. لكن في اليوم التالي وخلال تشييع العاروري في منطقة الطريق الجديدة، بما تمثله من ثقل ورمزية على الصعيد السني، كانت مشاركة “الجماعة” أشبه بـ “إستعراض عسكري ميليشيوي”، وكأنها تريد أن توجه رسالة سياسية إلى الداخل والخارج، في ظل انكفاء الدور السني في المعادلة السياسية الداخلية، أن “الجماعة” وجناحها العسكري “المنشأ” باتا حاضرين بقوة على الساحة السنية.

وفي محاولة لتبرير “العراضة” العسكرية، أكد رئيس المكتب السياسي في “الجماعة الاسلامية” علي أبو ياسين أن “الجماعة أخذت مسار الدفاع عن لبنان في مواجهة العدوان الاسرائيلي، ولا تستعرض عسكرياً في بيروت، والظهور المسلّح ليس إلّا حالة تفاعل من رفاق الشهداء مع الحدث، والرسالة موجهة إلى العدو الاسرائيلي، وليس إلى اللبنانيين”، قائلاً: “مشروعنا كان ولا يزال بناء الدولة والشراكة الحقيقية مع كل المكونات اللبنانية، ونطالب في هذه اللحظة الحرجة بوحدة اللبنانيين في مواجهة العدو الاسرائيلي ومشاريعه”.

يشار على هامش ذلك المشهد، الى أن بيروت لم تشهد مثل هذا الظهور العسكري بهذه “الفجاجة” سوى في السابع من أيار من العام 2008، عندما إقتحمت “ميليشيات حزب الله” وحلفائه العاصمة.

بالتأكيد تبريرات “الجماعة” لعودتها العسكرية، تحت شعار “مقاومة إسرائيل”، لم تلقَ في الأوساط السنية أي إهتمام تستحقه، خصوصاً وأن “سلاح المقاومة” هو موضع خلاف جذري بين القوى السياسية اللبنانية، إسوة بقرار “الحرب والسلم”، بحيث أن قوى وازنة تتمسك بمطلب حصرية السلاح بيد الجيش اللبناني. كذلك، فإن الوجدان “السني” ببعده الوطني، متمسك بإتفاق “الطائف” الذي أوقف الحرب اللبنانية، ونص على حل جميع الميليشيات وسحب سلاحها.

من المؤكد أن وقائع العودة المسلحة لـ “الجماعة الاسلامية” كجناح لبناني لتنظيم “الإخوان المسلمين” وأبعادها، لها دور سياسي تحت غطاء مقاومة إسرائيل، يرتبط بمن يقف وراء تلك العودة.

– يتبع

شارك المقال