“حماس” تختنق وأصفهان تفتح طريق جنيف!

أنطوني جعجع

“حزب الله” يرفض البحث في أي ملف محلي أو اقليمي قبل انتهاء الحرب في غزة، وكل كلام آخر يمكن أن ينتظر.

والسؤال الذي يطرح نفسه ماذا لو انتهت الحرب لمصلحة اسرائيل وسقط من محور الممانعة عنصر مقاوم أساسي هو حركة “حماس”؟

وماذا لو وجد نفسه وحيداً في حرب يخوضها من دون حلفاء فاعلين ومباشرين بعدما اعتبرت ايران هجومها الأخير أفضل ما عندها وانتقلت الى مرحلة احياء مفاوضات جنيف مع الولايات المتحدة، بالتزامن مع اعلان اسرائيل أن حربها في لبنان تقترب من لحظة الحسم؟

هل يكمل “حرب اسناد” أثبتت عقمها بعد مرور سبعة أشهر على اندلاعها؟ هل يخاطر بحرب مباشرة وشاملة مع الجيش الاسرائيلي الذي يبدو مصراً على تأمين أمن بلاده على الجبهتين الجنوبية والشمالية بأي ثمن، وعلى التخلص من الانتشار العسكري الايراني المباشر وغير المباشر على حدود بلاده مع كل من لبنان وسوريا؟

وأكثر من ذلك، هل لا يزال قادراً على تحمل حجم الخسائر البشرية التي يتكبدها وسط بيئة بدأت تطرح أكثر من علامة استفهام حيال جدوى حرب استنزاف تراوح مكانها من دون تسجيل أي نتائج عسكرية يعتد بها، ووسط أجواء من الخيبة والصدمة حيال الرد الايراني الذي لم يأتِ على قدر التمنيات والتوقعات؟

وأكثر من ذلك أيضاً، كيف يمكن أن يكمل حربه هذه وهو الذي يعاني فراغاً وطنياً شبه شامل، وخرقاً مخيفاً في منظومته الأمنية في لبنان وسوريا معاً، اضافة الى جو من انعدام الثقة مع الحليف السوري الذي لا يبدو بريئاً مما أصاب ويصيب قادة “الحرس الثوري” الايراني و”حزب الله” في مخابئ سوريا وأقبيتها؟

أسئلة كثيرة والجواب لا يبدو صعباً في وقت يجد “حزب الله” نفسه بين حالتين قاسيتين: الأولى أن صدره مكشوف من اسرائيل وظهره مكشوف من سوريا، والثانية أن عجزه عن انتخاب رئيس حليف يجعل ظهره مكشوفاً من لبنان، ما يعني عملياً أن حسن نصر الله الذي بدا متوتراً في شكل غير مسبوق في اطلالاته الأخيرة، يشعر بأنه وقع في كمين الخروج منه صعب والبقاء فيه مستحيل.

وانطلاقاً من هذا الواقع، يسود اقتناع في الضاحية الجنوبية وكذلك في ايران، بأن معركة غزة باتت في مراحلها الأخيرة، وأن مدينة رفح لا تبدو قادرة على تغيير الواقع العسكري أو على الاحتفاظ بسلاح “حماس” وقادتها الذين يتردد أنهم يسعون الى مخرج آمن يشبه ما أصاب ياسر عرفات في حرب بيروت العام ١٩٨٢، والى وضعية تسمح لهم بالتحول الى تيار سياسي عامل في غزة بعد انتهاء الحرب.

وانطلاقاً من هذا الواقع أيضاً، يقر قادة الممانعة بأنهم يخوضون حرباً مع “اسرائيل جديدة” تختلف عن الحروب السابقة، أي اسرائيل القادرة على ممارسة لعبة النفس الطويل، والقادرة على تحمل خسائر بشرية واقتصادية وديبلوماسية غير مسبوقة، وعلى الوصول الى أي هدف معادٍ في أي مكان في الشرق الأوسط، على غرار ما أصاب مدينة أصفهان أخيراً.

ويقر هؤلاء أيضاً بأن ما جرى في أصفهان دق جرس الانذار في طهران التي أدركت أن كل منشآتها النووية والجوية والصاروخية هي حقاً في مرمى النيران الاسرائيلية، وأن ما فعلته اسرائيل كان رسالة أكثر منه مواجهة، لافتين الى أن ما كان يمنع قصفها من قبل الرفض الأميركي والخوف العربي والغربي من تفجير حرب اقليمية شاملة، والحرص على تفكيك المشروع النووي الايراني بالطرق السلمية.

اليوم لم يعد الأمر كذلك، يقول مصدر قريب من الضاحية الجنوبية، مؤكداً أن “طوفان الأقصى” فجر اقتناعاً في العالم بأن ايران لا تشكل خطراً على اسرائيل والشرق الأوسط وحسب، بل على أوروبا كلها وفق ما كشف وزير الدفاع الفرنسي أخيراً، وأن أي عمل عسكري مباشر ضد ايران لم يعد أمراً دونه تحفظات وتحذيرات.

ويضيف المصدر: ان ايران باتت تعرف أنها تواجه عدواً مستعداً لكل أنواع السيناريوهات، وهو ما ظهر في اطلالة الامام الخامنئي الذي تجاهل ما جرى في أصفهان داعياً جنوده الى “التعلم من تكتيكات العدو”، وفي الزيارة المفاجئة التي قام بها الرئيس الايراني ابراهيم رئيسي الى باكستان المجاورة في مسعى لاخماد التوترات التي تسود منطقة بلوشستان وتهدد الأمن الايراني بتحريض ضمني من الولايات المتحدة واسرائيل، وكذلك في العنف المفرط الذي يستخدمه الأمن الايراني في مواجهة انتفاضة داخلية بدأت بوادرها بالظهور تدريجاً في شوارع البلاد.

والواقع، وفق مصدر ديبلوماسي غربي، أن الهجوم الاسرائيلي الدقيق على مدينة أصفهان الأكثر احتضاناً للترسانة العسكرية الايرانية المتطورة، وحصر القصف قرب مفاعل نطنز وليس به، وضع الايرانيين أمام واحد من خيارين: اما المضي بالحرب في المنطقة والمخاطرة بمواجهات قد تدمر مفاعلاتها النووية على رؤوس سكانها، واما كسب الوقت والعودة الى مفاوضات قد تتخلى فيها عن حلم القنبلة النووية في مقابل فك العقوبات والعودة الى الحظيرة الاقليمية والدولية والتحول الى شريك أساسي في كل ما يتعلق بأمور الحرب والسلام في الشرق الأوسط.

لكن هذا، يضيف المصدر يحتاج الى ورقة ضغط ثمينة في قبضة ايران، مشيراً الى أن ما يفعله “حزب الله” الآن يدخل في هذا المسعى الذي اتخذ في المدة الأخيرة منحى أكثر عنفاً وتطوراً، وكذلك في عودة الهجمات المتبادلة بين القوات الأميركية وميليشيا “الحشد الشعبي” في العراق، اضافة الى استمرار الكباشات المتقطعة بين التحالف الدولي والحوثيين في البحر الأحمر.

ويتابع: لعل ما يؤكد السعي الحثيث الى تحسين المواقع قبل الجلوس الى طاولة المفاوضات، انتهاج ايران خطين سياسيين متباعدين الأول رغبتها في السلام وعدم التصعيد، والثاني التحذير الذي وجهته الى اسرائيل والدول التي تدعمها اذا هاجمت أراضيها في المستقبل، ملمحة بذلك الى الولايات المتحدة والأردن اللذين أسهما في إحباط الهجوم الصاروخي الايراني على الدولة العبرية.

لكن المصدر يستدرك قائلاً: ان ما يفعله “حزب الله” لحساب ايران هو الأكثر فاعلية والأكثر احترافاً، لافتاً في الوقت عينه الى أن ذلك يشكل سيفاً ذا حدين، فهو يمكن أن يجر اسرائيل الى حرب مباشرة في جنوب لبنان وهو أمر تعتبره تل أبيب احتمالاً وارداً في أي لحظة، ويمكن أن يزيد في استنزاف الممانعة وابقائها في حرب المراوحة التي تضرب البشر والحجر في لبنان وتحول الكثير من مناطقه الى ما يشبه الأرض المحروقة.

ونعود الى السؤال الأول: ماذا لو سقطت غزة في قبضة اسرائيل؟

ماذا يمكن أن يفعل “حزب الله” وماذا يمكن أن يقول لبيئته؟

الجواب، قد يأتي على لسان حسن نصر الله الذي يقول في سره: هذه المرة كنت أعلم ماذا أريد من الحرب لكن غزة لم تصمد، وكنت أعرف ماذا أملك من سلاح، لكنني لم أكن أعلم ماذا تخبئ اسرائيل وماذا في حسابات ايران.

شارك المقال