الهيمنة الإيرانية وغياب الاستراتيجية الموحدة

عالية منصور

ما يعانيه لبنان ليس بعيداً عما تعانيه سوريا، وما يعانيه العراق. ففي الدول الثلاث يعتبر النفوذ الإيراني أقوى من الدولة ونفوذها ومؤسساتها. فقد تغلغلت إيران عبر دعمها أنظمة وأحزاباً وميليشياتٍ طائفيةً في هذه الدول، وتوسعت حتى تسببت بانهيار أسس الدولة الوليدة، فتحولت هذه الدول إلى دول فاشلة باقتصاد منهار، وشعوب منهكة ومنقسمة على بعضها.

وتحت شعار تصدير الثورة، الذي رفعه نظام الملالي بُعيد استيلائهم على ثورة الشعب الإيراني، وبالتالي السلطة في إيران في العام 1979، لم تصدّر إيران إلا الخراب والفوضى والجهل، حتى وصل الأمر بمسؤوليها إلى إعلان السيطرة على أربع عواصم عربية. وإن كان لليمن قصة أخرى، حيث تشكَّل تحالفٌ عربي لدعم الشرعية والوقوف في وجه الإرهاب الإيراني، إلا أن بغداد ودمشق وبيروت لم يكن لها المسار والمصير ذاتيهما.

ومع بعض الاختلاف في أساليب السيطرة الإيرانية على كل من الدول الثلاث، إلا أن طهران اعتبرت أن كلاً من هذه الدول هي مناطق نفوذها، وصارت تتصرف وكأنها مجرد محافظات تابعة لها، في وقت غابت أي استراتيجية موحدة، أو  حتى تنسيق بين هذه الدول لمواجهة الاحتلال الإيراني المقنّع.

في سوريا كما العراق ولبنان، هناك حالة شعبية وسياسية وثقافية ترفض الهيمنة الإيرانية، وتطالب بخروج إيران وميليشياتها من أراضيها، ولكن نادراً ما نسمع، أو  سمعنا، عن أي عمل مشترك أو  تنسيق أو  تشاور بين القوى المناهضة لإيران في هذه الدول، لا بل حتى داخل البلد الواحد، تنقسم القوى المعارضة للهيمنة الإيرانية وتتعارض بين بعضها، حتى ننسى في كثير من الأحيان أن هدفاً أسمى يجمعها، ألا وهو سيادة دولها وحريتها. بينما نسمع ونشاهد يومياً عشرات الأمثلة على تعاطي الميليشيات والأحزاب الموالية لإيران في هذه الدول بتنسيق وتناغم شديدين بين بعضهم البعض.

ولكن الغريب ليس فقط غياب التنسيق بين القوى السيادية داخل هذه الدول، وبين الدول ببعضها، بل إن أي متابع بإمكانه ملاحظة غياب أي استراتيجية عربية موحدة، للحد من نفوذ إيران الآخذ بالتوسع. ففي وقت تقاطع دول عربية كثيرة لبنان بسبب هيمنة “حزب الله” التابع لإيران على قراره السياسي، نجد بعض هذه الدول تُطالب بإعادة التواصل مع النظام السوري، الإيراني الهوى والولاء، علّها تجد في التواصل معه فرصة تبعده عن إيران. أما في العراق، فقد وجدت المنظومة العربية فرصة من خلال رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي، للعودة إلى العراق في محاولة لإعادته إلى محيطه العربي.

قد ينجح الأمر جزئياً في العراق. فالكاظمي أثبت خلال أشهر قليلة أنه رجل دولة يضع مصلحة العراق أولاً، إن هو استطاع،  بسبب حجم وقوة إيران في العراق. ولكن الأمر حتماً لن ينجح في سوريا. فقد علمتنا تجارب العشرين سنة الأخيرة بما لا يدع مجالاً للشك، أن نظام الأسد لا يمكن إلا أن يكون تابعاً لإيران، فكيف بعد ان تدخلت عسكرياً، وصار لها الفضل ببقائه في السلطة؟ وصارت تتواجد عسكرياً وسياسياً داخل جميع مؤسسات النظام؟

أما في لبنان، فقد حلت المقاطعة وآثارها على الجميع، حتى على من دفع أثماناً باهظة ودماءً ثمناً لمعارضته الهيمنة الإيرانية “الحزب اللهية” على البلاد.

العقبات كثيرة وصعبة، ولكن في ظل غياب أي تنسيق وتواصل بين القوى في الدول الثلاث، وغياب رؤية عربية موحدة لوقف التمدد الفارسي واعادة الدول العربية إلى محيطها، فإن العقبات ستزداد صعوبة، وخصوصاً أننا على ما يبدو أمام المزيد من الهيمنة الإيرانية، في ظل وجود إدارة أميركية تهوى  السير على خطى إدارة أوباما. ولن تتوانى عن التغاضي على الهيمنة الإيرانية من بغداد وصولاً إلى المتوسط، مروراً بدمشق وبيروت، طالما أن غايتها هي التوصل إلى اتفاق يريدونه لمجرد الاتفاق.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً