لبنان… حذار “الحزب” بعد الحرب!

أنطوني جعجع

كيف يمكن أن يبدو لبنان بعد انتهاء الحرب أو تعليقها في كل من غزة وجنوب لبنان، أو في سؤال آخر كيف يمكن أن يبدو “حزب الله” بعد تجربة مع اسرائيل هي الأطول له والأكثر كلفة واحراجاً؟

سؤال، يشبه السؤال الذي يطرحه العالم عن طبيعة اليوم الذي يمكن أن يعقب حرب اسرائيل في غزة، ولو من زوايا ومعطيات مختلفة، أبرزها أن معظم أجوبته متوافرة في الداخل اللبناني المعقد أكثر منه خارج الحدود الواسعة.

الجواب قد يكون سابقاً لأوانه، لكن الوقائع على الأرض لا تبشر بمرحلة مريحة من التعايش بين معسكر “حزب الله” الذي تقوده ايران، والمعسكر المعارض الذي يتماشى مع مسار الحلول السلمية في المنطقة، اضافة الى خيار النأي بالنفس عن كل ملف لا يعني لبنان في العمق.

والجواب أيضاً يوحي بأن “حزب الله” لن يرتد الى الداخل غداً، كما فعل بعد “حرب تموز” في العام ٢٠٠٦ حاملاً ما اعتبره وقتذاك “نصراً الهياً”، بل كحركة عسكرية مرتدة لا ضوابط لها ولا أي ارتباط أو تنسيق مع لبنان الدولة، وقيادة مغامرة لا تتوانى عن أي شيء يخدم عقيدتها الدينية والمذهبية الاستراتيجية حتى لو تدمر الهيكل على رأسها ورؤوس الجميع.

وأكثر من ذلك، لن تكون عودة “حزب الله” الى الداخل عودة “الفاتح” الذي خرق غلاف الجنوب نحو الجليل، كما فعلت “حماس” في “السابع من أكتوبر” ولا استعاد أرضاً لبنانية محتلة، ولا فرض مع اسرائيل توازن الرعب الذي طالما لوح به في مدى العقدين الماضيين، ولا توصل الى اتفاق مع الدولة العبرية يكرّسه مقاومة شرعية لا بد منها أو مقاومة تتخطى البيئة الايرانية الى ما هو أقرب الى وجدان اللبنانيين أي المقاومة اللبنانية أو العربية.

وأكثر من ذلك أيضاً، لا يبدو أن حسن نصر الله في وارد الاطلالة على اللبنانيين بوجه انفتاحي أو تصالحي وهو الذي بات ينظر الى معظم اللبنانيين على أنهم عملاء أو دخلاء أو خلايا سرية مستعدة للطعن في ظهره أو للطعن في خياراته ومساراته وقراراته، وهو ما ظهر في الاطلالة التهويلية التي أعقبت مقتل منسق “القوات اللبنانية” في جبيل باسكال سليمان، وفي حملات التهويل والتخوين التي توزعت على محاور الممانعة هنا وهناك.

ويكشف مصدر قريب من الضاحية أن “حزب الله” يشبه النمر الجريح المستعد لنشب مخالبه في كل من يمكن أن ينتقده أو يعترضه أو يعارضه، مشيراً الى أنه ليس في وارد ابداء أي مرونة أو سلاسة في أي ملف أو قضية أو تقديم أي تنازل لا يبقيه الرقم الصعب الوحيد والأوحد في المعادلة اللبنانية.

ويضيف: ان “حزب الله” حريص على نزع أي انطباع أو اقتناع في ذهن المعارضة اللبنانية بأنه اليوم أو غداً هو غيره قبل “طوفان الأقصى”، أو على الأقل لم يعد القوة العسكرية التي طالما كانت تفرض ما تشاء وتحصل على ما تشاء، مشيراً الى أن نصر الله حريص على اعتبار انسحابه نحو شمال الليطاني نوعاً من “النقلة التكتيكية” لا نوعاً من التراجع الاستراتيجي، وهو ما يفسر الحرص على استبدال كلمة انسحاب بعبارة “اعادة تموضع” أو “اعادة انتشار”.

ويذهب المصدر بعيداً الى حد القول: ان حسن نصر الله سيحاول من خلال تحديات عدة في الداخل، وفي مقدمها رئاسة الجمهورية، طمأنة بيئته الشيعية الجريحة الى أن “حزب الله”، وعلى الرغم من انكشافه الخطير والمحرج أمام اسرائيل، وخسائره القيادية الهائلة، وتراجعه الشعبي أمام اللبنانيين، لا يزال القوة التي تحمي مصالحها ومواقعها، وتجعلها في مقدم الطوائف اللبنانية على المستويات المعنوية والمادية والسياسية والأمنية وسواها من مصادر النفوذ والتأثير، اضافة الى طمأنة الايرانيين الذين أوشكوا فقدان الورقة الفلسطينية القوية المتمثلة في حركة “حماس”، بأن خطوط المواجهة الحدودية مع الدولة العبرية لا تزال على قوتها عبر “المقاومة الاسلامية” اللبنانية التي ستدخل مرحلة جديدة من التنظيم والتجنيد والتسليح والتكتيك، بعدما تبين أن التركيبة القديمة تعج بالثغرات والشوائب لا بل بالعملاء.

ولعل أول ما سيقدم عليه “حزب الله” بعد تعليق القتال، هو التراخي لمصلحة الجيش و”اليونيفيل” في الجنوب وليس التسليم، معتبراً أن خسارة الجنوب تعني عملياً خسارة الورقة اللبنانية كلها، والتشدد في الداخل في مواجهة المعارضة التي حاول سمير جعجع قيادتها، ولملمة التحالفات التي اهتزت، ولا سيما مع “التيار الوطني الحر”، والتمسك أكثر بترئيس سليمان فرنجية الذي أثبت أنه الأكثر التصاقاً بخط الممانعة والأكثر حرصاً على ظهر “المقاومة الاسلامية” والأكثر ايماناً بالمسار الذي يرفض التطبيع مع الدولة العبرية.

وعلى الرغم من أن لقاء معراب لم يكن على قدر الآمال التي عقدت عليه لأكثر من سبب وسبب، لا سيما التشرذم الذي لم يتمكن سمير جعجع من لملمته، الا أن “حزب الله” ينظر اليه على أنه نواة كتلة واعدة قد تكبر في شكل خطير اذا ما توافرت لها ظروف وشروط وأجواء تشبه تلك التي أعقبت “الرابع عشر من آذار”، وليست العراضة المسلحة التي قامت بها “الجماعة الاسلامية” في ببنين العكارية على أبواب صيف متوتر في القرنة السوداء، وتلك التي تقوم بها فصائل فلسطينية ولبنانية في أكثر من مناسبة، الا رسائل مفخخة نحو سنة الاعتدال في الشمال وبيروت و”موارنة المواجهة” في غير مكان.

ويعلق مصدر ديبلوماسي عربي على ما جرى في معراب قائلاً: ان محور الاعتدال العربي لم يكن راضياً عما غاب عنه وعما نتج عنه، مشيراً الى أن زيارة السفير السعودي وليد بخاري الى معراب مباشرة بعد المؤتمر، كانت نوعاً من سياسة التعويم والتدعيم، خصوصاً بعد حملة التهميش والتهشيم التي تعرض لها قائد “القوات اللبنانية” حتى من أقرب حلفائه السابقين.

ويضيف: ان لبنان اليوم وتحديداً بعد “طوفان الأقصى”، هو في أخطر تقلباته، ولا سيما بعد أمرين أساسيين هما أولاً ما يخطط له “حزب الله” لاستعادة الهيبة في الداخل، وثانياً ما يخطط له الغرب لترسيخ النازحين السوريين في لبنان وعلى حساب المسيحيين تحديداً، مشيراً الى أن لبنان يبدو الآن اللقمة السائغة الوحيدة في المنطقة في وقت تستعد ايران لتهدئة الجبهات والبحث عن صفقات، ويستعد الخليج لانتهاج التطبيع والاستغناء عن الجبهات.

شارك المقال