7 أيار 2008.. الاحتلال الثاني لبيروت والاغتيال المستمر للدولة!

زياد سامي عيتاني

قرار غزو بيروت والجبل في 7 أيار 2008 لم يكن وليد قرارات مجلس الوزراء، التي تمسك بها آنذاك رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط، بل ربما سرّع ذلك عملية التنفيذ، ووفّر للمنفذ غطاءً مبرراً (ربما عن غير قصد)، بدليل إعتراف جنبلاط نفسه بأنه أخطأ و”تحمس”. فغزو بيروت “ميليشيوياً” من “حزب الله” وحلفائه، كانت قد أعدت له العدة، بانتظار ساعة الصفر، للتنفيذ الميداني العسكري، بدليل المناوشات والتوترات الأمنية في عدد من مناطق العاصمة، التي سبقت عملية الغزو المعدّة، لتهيئة الأرضية لعمل عسكري ضخم، من شأنه إطاحة موازين القوى، وفرض قاعدة سياسية “سلطوية” جديدة، تشكل خرقاً فاضحاً للدستور وللنظام السياسي في لبنان، تكريساً لمعادلة “السلاح يحمي السلاح”.

فقد سبقت هذه المواقف مواجهات عنيفة في مناطق متعددة أبرزها حلبا في الشمال وعاليه وبيروت، أدت إلى سقوط 17 قتيلاً وعشرات الجرحى، وكان القسم الأكبر من الضحايا وهو 13 سقط في ساحة حلبا في مواجهة بين أهالي المنطقة ومسلحين من الحزب “السوري القومي الاجتماعي”. كما دارت اشتباكات في طرابلس بين منطقتي باب التبانة وبعل محسن سقط فيها ثلاثة قتلى بموازاة تحركات مماثلة حصلت في سعدنايل وتعلبايا في البقاع الأوسط. فيما بدأت بالظهور بوادر سخونة في منطقة عاليه، مع اتهام “حزب الله” ما سمّاه “ميليشيات جنبلاط” في عاليه باعدام اثنين من أفراده رمياً بالرصاص وطعناً بالسكاكين، مضيفاً أن عنصراً ثالثاً من الحزب “خطف من هذه الميليشيا ولا يزال مصيره مجهولاً”.

صحيح أن الاجتياح الثاني لبيروت (بعد الاجتياح الصهيوني عام 1982) جاء على خلفية قراري الحكومة اللبنانية بشأن شبكة الاتصالات غير الشرعية وإزالة كاميرات المراقبة من داخل حرم المطار، لكن القرارين المذكورين لم يكونا أكثر من ذريعة، أعطيت مجاناً لـ “حزب الله”، جراء إصرار جنبلاط على فرضهما على طاولة مجلس الوزراء، قبل أن يعترف لاحقاً بأنه أخطأ، حينما قال حرفياً: “أنا أخطأت كثيراً و7 أيار أحد أخطائي… أنا افتعلت 7 أيار وأخطأت بالحسابات وهناك من حمّسني على ذلك”. والدليل، المخرج الذي أعلنه رئيس الحكومة فؤاد السنيورة في كلمة إعتبر فيها أن “القرارين الصادرين عن الحكومة لم يصدرا بعد، وسيصار الى وضعهما في عهدة قيادة الجيش”.

مخرج السنيورة، دفع قيادة الجيش إلى تلقّف الفرصة وأعلنت في بيان “إبقاء رئيس جهاز أمن المطار العميد الركن وفيق شقير في وظيفته على أن تُتخذ التدابير التقنية المناسبة بعد انتهاء التحقيقات ومعالجة موضوع شبكة الاتصالات من جانب سلاح الاشارة في الجيش بما لا يضرّ بالمصلحة العامة وأمن المقاومة”، طالبة من جميع الأطراف “إعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل بدء الأحداث الأخيرة”.

في ذلك الوقت، كان “حزب الله” قد قرر بمفرده كيف يجب أن يكون مصير لبنان ومستقبله، بحيث كان القرار قد اتخذ في لبنان و”خارجه” للإنقلاب على الواقع السياسي الذي كان قائماً بعد إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، والذي أوصل إلى مجلس النواب أكثرية نيابية من تحالف قوى 14 آذار، وعلى حكومة السنيورة، كما أن الإنقلاب كان ضد التحقيق الدولي في اغتيال الرئيس الحريري وضد المحكمة الدولية التي تشكلت للحكم في هذه القضية. لكن يبقى الهدف الأول لاجتياح 7 أيار، الانقلاب على إتفاق “الطائف” الذي قام على المناصفة الوطنية. وهذا ما تأكد من خلال ما دار وما نتج عن مؤتمر “الدوحة”، الذي مكّن الحزب من إحكام قبضته على السلطة في لبنان، نتيجة تسوية “الدوحة” التي أعطته الثلث المعطّل في الحكومة، بالاضافة إلى وزارة المالية، وجعلته مع حركة “أمل” يحتكران التمثيل الشيعي ويفرضان الأسماء والحقائب، فضلاً عن أنه هو الذي يحتكر لنفسه حق متى تكون الحرب وكيف، ومتى يكون السلم وكيف، وفقاً للنظام السياسي الذي يخدم المحور الذي ينتمي إليه!

منذ ذاك الإنقلاب، يعيش “حزب الله” نشوة الانتصار مع حلفائه، من خلال نتائج تسوية “الدوحة”، التي مكّنتهم من ترسيخ سيطرتهم دستوريّاً على الدّولة من خلال إرساء عرف الثلث المعطّل، تحت تسمية “الضامن”، بذريعة استرجاع حقوق المسيحيّين، بحيث ثبّت نوعاً جديداً من الديموقراطيّة “المشوهة”، إصطلح على تسميتها في كتاباتي بـ” الديموقراطيّة التوافقية” في حين هي فعلياً “تعطيليّة”.

في 7 أيار 2008، كان الاحتلال الثاني للعاصمة، والسقوط الثاني للدولة بعد إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، والتوجيه المستمر للسلاح ووهجه في الداخل اللبناني، إبقاءً للهيمنة والسيطرة على القرار اللبناني بكل أبعاده ومندرجاته.

شارك المقال