7 أيار عتيق عند سُنّة البقاع

راما الجراح

آثار الرصاص وقذائف الأسلحة الثقيلة لا تزال محفورة على جدران بلدتي سعدنايل وتعلبايا. رائحة البارود في كل مكان، الأهالي في المنطقة يتذكرون أحداث “الثلاثاء الأسود” شرارة ٧ أيار كأنها اليوم، لون السماء أصبح داكناً من دخان الاطارات، لم يعد هناك طريق سالك، غضب وازدحام عند مفترق الطرق، تكبيرات في المساجد لتهدئة النفوس، وإجراءات أمنية مشددة.

الأهالي يستذكرون الاشتباك الأول في ٧ أيار، حين اعترض شباب في الحي الوحيد الذي يقطنه أناس من الطائفة الشيعية في سعدنايل سبيل أحد العمال وقاموا بضربه ومنعه من المرور، عندها عاد أدراجه إلى تجمع شباب سعدنايل وروى لهم القصة، فأخذ الأهالي بنادق صيد من منازلهم لعدم وجود سلاح معهم وتوجهوا إلى مكان الحادثة، حيث أطلقت النار عليهم بصورة كثيفة، وقصفت البلدة بالمضاد الرباعي والثنائي، وقذائف الهاون والـ “آر بي جي” من منطقة التويتي وحزرتا فوق سعدنايل وتعلبايا، وامتدت الاشتباكات لأكثر من شهر، بحسب الأهالي.

مصدر مسؤول في المنطقة أكد عبر “لبنان الكبير” أن “تيار المستقبل في تلك الفترة رفض أي شكل من أشكال التسليح للشباب السنة، وقال أحد مسؤوليه يومها إن المستقبل تيار سياسي ولا علاقة لنا بالسلاح. وعلى الرغم من التوتر الأمني وغضب الشباب في ذلك الحين إلا أن تيار المستقبل حاول قدر المستطاع احتواء الغضب وعدم إيصال الأمور إلى الفلتان، وتشكلت مجموعات في المنطقة وعلى رأسها قائد محور، يتجمع الشباب عنده يتشاورون في ما بينهم ويتم تقسيم المهام، وغالبيتهم من الأشخاص الذين كانوا يحاربون مع المقاومة الفلسطينية”، لافتاً إلى أن “الشباب لم تكن بحوزتهم أسلحة قتالية، فعمدوا إلى التواصل مع تجار سلاح معظمهم أشخاص من داخل حزب الله واشتروا منهم أسلحة متوسطة وخفيفة للاستعمال الفردي”.

“لا يمكن أن نذهب إلى معادلة انشاء ميليشيا بـ ٨٤٠ شهادة دكتوراه، و٤٠ ألف طالب من أهم جامعات العالم”، بحسب المصدر، الذي أشار إلى أن “الانكشاف السياسي وارتباط البيئة السنية بصورة عفوية وطبيعية بالقضية الفلسطينية سهّلا استقطاب الشباب ذوي النوايا الطيبة إلى صفوف سرايا المقاومة، وتم استغلالهم واستخدامهم في معارك جانبية وحتى داخل بيئتهم بالتزامن مع التوتر على الحدود الجنوبية لأن هذه الفئة يتيمة اليوم”.

وشدد على أن “سعدنايل كانت السبّاقة في توجيه رسالة الى حزب الله وسراياه من خلال التفاف شعبي وعائلي واسع حول قرار موحّد ينبذ كل مشاريع الحزب الفتنوية في الساحة الوحيدة المتبقية خارج نفوذه في منطقة البقاع”.

النائب بلال الحشيمي قال عبر “لبنان الكبير”: “لا يخفى على أحد أن أحداث ٧ أيار تسببت في شرخ بين طائفتين، خصوصاً مع توالي الأحداث وسلسلة الاغتيالات والاتهامات التي وجهت إلى سوريا ومن يقف إلى جانبها في الداخل اللبناني. سقط شهداء وجرحى في منطقتنا وهذا اليوم هو وصمة عار بعد الاشتباكات بين السنة والشيعة في سعدنايل وتعلبايا، وحتى بعد مرور ١٦ عاماً ترى الناس لا تزال تتذكر أدق التفاصيل بسبب الألم الذي عاشته في تلك الفترة”.

مرحلة لم تكن سهلة أبداً، حاولت المقاومة بعدها البدء بمشروع استقطاب الشباب السني تحت مسمى “سرايا المقاومة” بحسب وصف الحشيمي، الذي أكد أن “المشروع لم ينجح، وانضمت القلة القليلة من الشباب اليها، حتى مع التوتر الحاصل اليوم على الجبهة الجنوبية نلاحظ أن الجماعة الاسلامية وفصائل أخرى تحارب إسرائيل إلى جانب حزب الله، ولكن على الرغم من ذلك ليس هناك تقبل لمشروعها ولا ثقة بها داخل البيئة السنية حتى في مناطق الجماعة، خصوصاً بعد تدخلهم في سوريا باعتبار أن من يتسبب في تهجير ملايين السنة من سوريا لا ثقة بأنه سيحرر فلسطين”.

ونصح الحشيمي “الجماعة الاسلامية” بأن “يكونوا حذرين لفترة ما بعد الحرب، والأخذ في الاعتبار كيف عاد الشباب السني من العراق كتنظيم قاعدة، وداعش في سوريا، وذاكرة اللبناني لا تنسى عندما وجه حزب الله سلاحه إلى الداخل”.

مصادر سياسية من سعدنايل مطلعة على الأحداث تحدثت عبر “لبنان الكبير” عن بداية هذا الشحن الطائفي، وردود فعل الأهل، وصولاً إلى “سرايا المقاومة”، فقالت: “المناوشات بدأت بين حركة أمل وأهالي سعدنايل منذ العام ١٩٨٥، وسقط قتلى وجرحى بسبب وجود شحن طائفي على خلفية حصار الحركة للمخيمات الفلسطينية بعد خروج ياسر عرفات من لبنان عام ١٩٨٢، وطبعاً لم يكن هناك لا سلاح ولا مقاتلون في المخيمات التي تعرضت لما يسمى حرب المخيمات. عندها شعر السنة في لبنان بأن الحرب عليهم ولم يستطيعوا في الوقت نفسه مساعدة المخيمات الفلسطينية في ذلك الحين لأن سوريا تقضي عليهم. وعند مغادرة حركة أمل أحد مهرجانات العرقوب، اصطدمت مع شباب سعدنايل بسبب استفزاز الأهالي بالباصات والبنادق المرفوعة، وحصل تبادل لاطلاق النار ووقع عدد من القتلى من الطرفين، وهذه الحادثة كلّفت سعدنايل حوالي ١٠٠ شاب اعتقلوا في السجون اللبنانية والسورية”.

أضافت المصادر: “بعد هذه الحادثة، استمر الشحن الطائفي الموجود في النفوس إلى ما بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري بحيث أصبح الاتهام مباشراً لسوريا ومن يقف خلفها، يومها كانت سعدنايل من أولى المناطق التي يحتشد أهلها بالآلاف للنزول إلى ساحة الشهداء رافعين صور الرئيس الشهيد، ويمرون في مناطق الوجود الشيعي تعلبايا- جلالا، ما يؤدي إلى احتقان عند الطرف الآخر، وسُميت سعدنايل بتل أبيب، ما أسّس عند الشباب نوعاً من الغضب بسبب هذه التسمية واستتبع ذلك اغتيالات إلى أن انفجر الوضع الأمني، عندها طلب الرئيس سعد الحريري أن تسلم مكاتب تيار المستقبل الى الجيش. وبسبب الوضع المشحون رفض الشباب كلام الحريري واشتبكوا مع حزب الله وحركة أمل لفترة امتدت لأكثر من شهر ونصف الشهر، حتى ذكرت مشكلات سعدنايل- تعلبايا والتبانة- طرابلس على طاولة الدوحة”.

“من قتل سنياً دخل الجنة” كانت أكثر عبارة مستفزة للشباب، حتى أنها كتبت على جدران الشوارع وفي كل مكان، ولدى اعتقال الشباب في سوريا أو عند المخابرات كانوا يضربون على اعتبار “أنت قدهم ولاك”، بحسب المصادر، التي ذكّرت عبر “لبنان الكبير” بأن “السبحة كرت، باغتيال كبار الشخصيات السنية مثل أحمد عساف، صبحي الصالح، سليم اللوزي، حسن خالد وناظم القادري وغيرهم، وكأنها لائحة تتم تصفيتها بالتدرج لتفريغ السنة من قياداتهم حتى وصلنا اليوم إلى مرحلة ليس لديهم قائد يدير شؤونهم، وبالتالي حزب الله يلتف اليوم على الـ ١٧٠١ من خلال الاستعانة بالجماعة الاسلامية لتطلق صواريخ من جنوب لبنان، وهذا القرار لنزع سلاح الميليشيات يستطيع من خلاله القول لستُ الميليشيا الوحيدة، أيضاً هناك ميليشيا سنية مثل الجماعة وحماس والمخيمات وبعدها نتكلم بحزب الله”.

وأوضحت المصادر أن “الحزب هو مَن أوجد هذه البيئات السنية التي لا تريد أن تقاتل تحت رايتهم، وأعطاها خيار القتال تحت راية الجماعة الاسلامية، ما يعني أن هناك تعاوناً بين الجماعة أي الاخوان المسلمين المدعومين من قطر وتركيا بالتحالف مع ايران ضمن لبنان، حتى وصلنا إلى فوزهم في نقابة المهندسين لأن الجماعة أخذت حوالي ٦٠٪ من المهندسين السنة باعتبار غزة، وبالتالي أيضاً في انتخابات نيابية مقبلة التحالف واقع مئة بالمئة بين حزب الله والجماعة، التي يمكن أن ترشح في كل منطقة شخصاً عن المقعد السني مدعوماً من الحزب في عكار وبيروت وطرابلس والبقاع الأوسط والشمالي لتصبح لديها كتلة من ٥ نواب وتصبح صوت المقاومة ضد العدو الاسرائيلي، وتصبح سرايا المقاومة مقاومة حقيقية، ويمكن أن يصبح لبنان بلداً فلتاناً يفتقر الى الحريرية السياسية مع تقوقع في البيئة المسيحية، وبالتالي كل شخص يعارض هذا الفكر أو يشكك في مقاومتهم يمكن أن يصبح عميلاً اسرائيلياً”.

شارك المقال