قصف نبع الطاسة… تعطيش الجنوبيين لتهجيرهم

محمد شمس الدين

الحصول على مياه الشرب المأمونة وخدمات الصرف الصحي هو حق مكرّس في اتفاقية حقوق الطفل وقرارات الأمم المتحدة واتفاقيات جنيف، وحق حاسم الأهمية لبقاء الأطفال بقدر أهمية الغذاء والرعاية الصحية والحماية من الاعتداءات، ولكن من فلسطين إلى أوكرانيا وغيرهما، بات من الواضح أن الأزمات أصبحت طويلة الأمد بصورة متزايدة، والنزاع يهدد أنظمة الخدمات الحضرية المترابطة، بل أصبحت المياه تستخدم كسلاح في الحرب، كما كان يحصل في العصور القديمة.

ويبدو أن اسرائيل تصعّد في جنوب لبنان، لتكرر ما كانت تقوم به في غزة، اذ استهدفت نبع الطاسة في منطقة اقليم التفاح، الذي يغذي عدة قرى جنوبية بالمياه، ما أدى إلى إلى تضرّر غرف المحوّلات والكهرباء وغرف المضخّات والخزّان وبعض خطوط الضّخّ، والتي نتج عنها أيضاً انتشار رائحة كريهة قويّة في المحيط، الأمر الذي دفع مصلحة مياه لبنان الجنوبي إلى إصدار بيان نصحت فيه المواطنين بالاقتصار في استخدام المياه على “الخدمة”، وتجنّب استخدامها للشّرب أو الطّهي أو كلّ ما يرتبط بالمأكولات والمشروبات، إلى حين انتهاء المؤسّسة من إجراء الفحوص المخبريّة الضّروريّة والتّأكّد من سلامة المياه؛ على أن تصدر بياناً مفصّلاً عن النّتائج فور جهوزها.

المدير العام لمؤسسة مياه لبنان الجنوبي وسيم ضاهر أكد في حديث لموقع “لبنان الكبير” أنها “ليست المنشأة الأولى التي استهدفوها للمصلحة، ولكنها الأولى في العمق، ولدينا أضرار كبيرة. منشآتنا في المناطق الحدودية كلها استهدفت، من خزانات ومحطات ضخ وطاقة شمسية، ومنذ شهر استهدفوا محطة الوزاني، وقمنا بصيانتها، والآن نبع الطاسة”.

وقال ضاهر: “عندما تريد تهجير سكان منطقة تضرب المياه، لأنها أساس، فإن لم تكن مؤمنة، تبدأ الناس بالبحث عن مكان ثانٍ بديل، ولا شيء غريب عن الاسرائيلي”.

عندما تقطع إمدادات المياه عن مجتمع محلي ما، يضطر الأطفال والأسر إلى الاعتماد على المياه غير الآمنة، أو إلى مغادرة منازلهم بحثاً عن مصدر جديد للمياه، وفي أحيان أخرى يلجأون إلى شرب مياه واضحة التلوث وخطرة، وتعتبر الاعتداءات المتعمدة على مرافق المياه والصرف الصحي، وعلى إمدادات الطاقة اللازمة لعملها، انتهاكات للقانون الدولي الانساني.

يذكر أنه بعد 48 ساعة فقط على عملية “طوفان الأقصى”، ظهر جنود إسرائيليون في مقطع مصور يقطعون إمدادات المياه القادمة من إسرائيل إلى قطاع غزة، ضمن حزمة عقوبات اتخذها الاحتلال رداً على العملية.

وأدى العدوان الاسرائيلي المتواصل على القطاع وقطع كل إمدادات المياه والكهرباء والوقود والقصف التدميري، إلى انهيار حصة الفرد من المياه يومياً، بحيث وصلت إلى أقل من 3 لترات مقارنة بـ26.8 لتراً يومياً قبل العدوان، وذلك نتيجة انخفاض قدرة إنتاج المياه بنسبة 95%.

ويشهد القطاع حرب تعطيش حقيقية في ظل انعدام القدرة على تشغيل محطات التحلية، وخروج العديد من آبار البلديات عن الخدمة بسبب انقطاع الكهرباء وعدم توافر الوقود، مع نزوح أكثر من مليون شخص نحو الجنوب وتكدس أعداد كبيرة من الناس في المدارس ومراكز الإيواء.

في العديد من النزاعات التي طال أمدها، لا يتم استهداف شبكات المياه والصرف الصحي وحسب، ولكنها أيضاً تُهمل إما من دون تنقية أو في حاجة إلى الاصلاح. وفي بعض الحالات، لم يكن هناك أصلاً نظام يفي بالغرض للمياه أو للصرف الصحي، فأدى النزاع إلى تفاقم المشكلة.

في كل الحروب على لبنان استهدفت اسرائيل البنى التحتية، لا سيما الماء والكهرباء، لأن نهجها في الحروب عموماً هو العقاب الجماعي، وهدفها قلب الرأي العام ضد من يقاتلها، بالاضافة إلى تهجير المدنيين كي لا تختبئ العناصر المقاتلة بينهم.

شارك المقال