طرابلس تُقاوم… منذ 7 أيار

إسراء ديب
إسراء ديب

يتباهى الطرابلسيّون بدعمهم لأحداث “طوفان الأقصى”، وبتمسّكهم بالقضية الفلسطينية التي يتبيّن أنّها لا تزال تحتفظ بمكانتها وأوْلويتها في وجدان الأهالي الذين لم يتنكّروا لنصرتهم المعتادة للحركة المقاومة كما اعتادوا دائماً، وهو ما يُثبته أبناء المدينة بمواقفهم القائمة على المقاطعة حيناً، أو تلك المحفورة بـ “الدّم” عبر ارتقاء الشهداء حيناً آخر في سبيل هذه القضية.

تمسّك الطرابلسيين والشماليين بالمقاومة، أيّ مقاومة العدو الصهيونيّ، لا يُعدّ أمراً جديداً عليهم، فهم سجّلوا منذ النكبة حتّى اليوم، نصرة لقضية يرونها عقائدية وإنسانية بالدّرجة الأولى، وشهداء وأسرى لا تزال ذكراهم مستمرّة، مثل عميد الأسرى يحيى سكاف، ابن المنية، المعتقل في السجون الاسرائيلية منذ أكثر من 45 عاماً، عقب عملية ضخمة ضدّ الاسرائيليين على طريق حيفا- تلّ أبيب في 11 آذار عام 1978، حيث وقع في الأسر مع رفاقه الذين عبروا الحدود البرّية والبحرية لمواجهة العدو، في مقابل عملية استشهادية سجّلها ابن تكريت العكارية في 31 تمّوز عام 1985، وهو علي غازي طالب، وذلك على طريق قلعة الشقيف-أرنون بعد اقتحامه دورية إسرائيلية عبر سيارته المجهّزة بمئتيّ كيلوغرام من مادة “ت.ن.ت”، فدمّر ملالتيْن وقتل وجرح أكثر من 25 جندياً بينهم ضابط برتبة نقيب، وغيرهما من الشخصيات التي يستذكرها الطرابلسيون بتضامن مع الخطّ المقاوم، على الرّغم من الاختلاف السياسي أحياناً مع الراحلين أو الغائبين.

وفي وقتٍ يُشارك “حزب الله” في حربه الجنوبية ضدّ العدو، يتساءل مراقبون بمناسبة حلول ذكرى أحداث 7 أيّار، عن موقف أهالي المدينة منه اليوم، خصوصاً وأنّهم كانوا اتخذوا موقفاً حاسماً منذ اليوم “المُهين”  لا “المجيد”، فهل تغيّرت مواقفهم مع توجّه بوصلة “حزب الله” نحو العدو؟

تقول مرجعية سياسيّة تعليقاً على التناقض بين المشهديْن (7 تشرين الأول و7 أيّار): “إنّ حزب الله لم يتغيّر ولم تتغيّر بوصلة سياسته الواضحة، وكذلك أهالي طرابلس لم يتغيّروا، فهم يتمسّكون بالقضية الفلسطينية، لكن بنيّة صافية لا بأهداف سياسية، بغرض دينيّ وعقائديّ لا استراتيجيّ، وبالتالي إنّ الطرابلسيين الذين دعموا الحزب في حرب تمّوز باسوا التوبة بعد أحداث 7 أيّار التي شهدت اعتداءات طالت سكّان بيروت والسنّة، فلا يثق أبناء المدينة بالحزب، لكنّهم في الوقت عينه لا يُعلنون مواقفهم علناً حالياً، كيّ لا يستخفّ العدو بها، ولأنّ الحرب حين تضرب بسيفها، ستدفعهم الى دعم من يُحارب العدوّ قطعاً”.

وتُضيف المرجعية الشمالية: “إنّ الطرابلسيين يُتابعون أحداث فلسطين عن كثب ويُطلقون على كلّ ضحية تسقط في الجنوب، حتّى لو كانت من الحزب وغيره، أنّها من الشهداء بلا تردّد، إذْ يستحي البعض من التفكير في الخلافات السياسية، في ظلّ رصده لتسجيل ضحايا على طريق القدس، لكن هذا لا يعني الصلح مع الحزب”.

ويُعلّق ناشط معارض على الموقف الطرابلسيّ، قائلاً لـ “لبنان الكبير”: “إنّ مشاركة بعض الطرابلسيين في الحرب الفلسطينية تُعدّ خطوة مؤثرة، لكنّنا نخشى استثمارها سياسياً في غير مكانها، ونحن ندرك نيّة الشبان، لكنّ الواقع يُشير إلى أنّ السيناريوهات التي قد تُرسم لطرابلس وغيرها من المناطق الشمالية بعد الانخراط في هذا الخطّ، قد تُعيد كرّة 7 أيّار بطريقة أقوى، إذْ نؤمن بأنّ أهداف معظم الشماليين لا تتقاطع مع أهداف حزب الله سياسياً، لكن نقلق من تكرار الاعتداءات عبر الحزب القومي وسرايا المقاومة بأشكال مختلفة، وهذه المرّة بعد عودة الحزب إلى العمل السياسي بقوّة عقب حرب طاحنة جنوباً، في ظلّ احتمال وارد لتحييد الجيش والأجهزة الأمنية أنفسهم عن الواقع الجديد ووقوفهم في موقف المتفرّج تماماً كما حدث في 7 أيّار، ما يعني تسليم المؤسسات وعدم حماية المدنيين من أيّة أخطار”.

ويلفت متابع أمني شمالاً إلى أنّ انخراط الحزب في الحرب السورية، يزيد من حدّة الموقف الطرابلسي تجاهه، على الرّغم من إيحاء بعض الفعاليات الطرابلسية عكس هذه الصورة، “لذلك إنّ أحداث 7 أيّار لا تُشكّل وحدها الموقف الطرابلسيّ، فصحيح أنّ لقاءات عدّة عُقدت مع الحزب شمالاً، مع إفطار إعلاميون من أجل غزّة، لكنّ الطرابلسيين يوضحون دائماً أن مواقفهم تُناصر غزة وكذلك حماس، لكنّها لا تُعلن مناصرة الحزب يوماً لأنّها تشعر بأهدافه المستقبلية”.

مصدر من الحزب، يُشدّد في حديث لـ “لبنان الكبير” على أنّ الاختلاف السياسي في القضية الفلسطينية غير موجود أساساً، وأنّ الانفتاح بين المدينة والعناصر الحزبية بات أكثر بكثير من السابق، بتوجيهات من الأمين العام للحزب حسن نصر الله الذي أوصى بتقديم هبات، خدمات ومساعدات إنمائية واستشفائية لمناطق محرومة، منها في عكّار، ويقول: “إنّ طرابلس التي تستأنس بطريق القدس وبمقاومة الصهاينة، ناصرتنا في حرب تمّوز، ويوم التحرير، ومنذ حرب أكتوبر وحتّى الآن، تُبدي هذه المدينة والشمال نهجهما المقاوم بعيداً عن المشوّشين”.

شارك المقال