المسيحيون ضحايا عون

عالية منصور

في العام 1990 شن العماد ميشال عون حرب الإلغاء على ميليشيا القوات اللبنانية يومها، كانت نتيجتها مئات الضحايا وآلاف الجرحى أغلبهم من المسيحيين. وبين حرب الإلغاء وحرب التحرير كانت النتيجة سقوط لبنان تحت سلطة الوصاية السورية بشكل رسمي وشبه اعتراف عربي ودولي، وفرار عون إلى السفارة الفرنسية ومنها إلى فرنسا تاركاً خلفه بلداً أقسم على حمايته تحت الوصاية السورية وآلالف الشهداء والمفقودين ومئات من عناصر جيش كان قائده سقطوا أسرى بيد قوات نظام حافظ الأسد، ولا يزال مصير أغلبهم مجهولاً.

بعد 15 عاماً عاد ميشال عون إلى لبنان، عاد بسبب دماء شهيد لبنان كل لبنان، الرئيس رفيق الحريري، ودماء شهداء انتفاضة الاستقلال التي أخرجت جيش الأسد الابن ومخابراته من لبنان، ومن لحظة وصوله إلى مطار رفيق الحريري الدولي لم يستطع العماد يومها أن يضبط أعصابه أو يخفي حالة الغضب التي يشعر بها تجاه اللبنانيين.

تحالف ميشال عون مع من كان يتهمهم بالأمس أنهم ميليشيا إرهابية، فبعد أقل من عام على عودته إلى لبنان وتحديداً في شباط 2006 وقع هو وحسن نصرالله أمين عام حزب الله اتفاق مار مخايل، الذي أسس لتحالف بين الطرفين هو من أقوى وأكثر التحالفات السياسية صموداً في لبنان.

في العام 2008 ذهب النائب يومها ورئيس أكبر كتلة برلمانية مسيحية في لبنان ميشال عون إلى دمشق واستقبل بحفاوة بالغة رسمياً وشعبياً (وفق مفهوم النظام السوري للاستقبال الشعبي) واعتبرت الزيارة أنها تشكل إعلاناً رسمياً لنهاية حالة القطيعة التي سادت العلاقة بين عون وسوريا. وعاد ميشال عون من دمشق وهو الحليف المسيحي الأقرب إلى قلب سوريا الأسد كما هو إلى قلب إيران وأزلامها.

ظن اللبنانيون وغيرهم أن ميشال عون قد تغير بعد عودته من منفاه في باريس، ولكن من يتابع مسيرة الرجل يرى كيف أن الرجل قد غير خطته التكتيكية ولكن هدفه لم يتغير يوماً، الرجل يريد السلطة بأي ثمن.

في كانون الثاني من العام 2016 وقع صهر الجنرال عون الوزير جبران باسيل ما عرف باتفاق معراب مع الخصم اللدود للتيار سابقاً رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع في مقرّ قيادة القوات في معراب، وبموجب هذا التفاهم أو الاتفاق، تبنى جعجع ترشيح ميشال عون إلى الانتخابات الرئاسية 2016، وإتّفق الطرفان على توزيع المقاعد الوزارية ومناصب الفئة الأولى بالمناصفة. ولم يتمكن الطرفان من إقناع باقي الأفرقاء اللبنانيين بالسير بمرشح حزب الله والقوات اللبنانية ميشال عون إلا في نهاية الشهر العاشر من العام نفسه، فتم في 31 تشرين الأول انتخاب عون رئيسًا للجمهورية واعتبر الفريقان يومها أن حقوق الطائفة المسيحية عادت.

اليوم وبعد 5 سنوات على انتخاب “المسيحي القوي” رئيساً للجمهورية، يشن فريق الرئيس حرب إلغاء ولكن هذه المرة ضد لبنان واللبنانيين، فمنذ لحظة دخول فخامة الرئيس إلى قصر بعبدا مجدداً لم يعرف لبنان واللبنانيين سوى المآسي والانهيار والفشل، وعدا حزب الله لم ينجُ أحد من حروب التيار العبثية الإلغائية، فمرة حرب إلغاء ضد الحزب الاشتراكي ومرة ضد المستقبل ومرة ضد حركة أمل ومرات ومرات ضد لبنان واللبنانيين ومصالحهم، حتى لم يبقَ للبنان أصدقاء في محيطه العربي.

وليس غريباً ولا جديداً أن يكون شريك وحليف حزب الله سبباً من أسباب دمار لبنان وانهياره، فحزب الله هو من أغلق مجلس النوّاب سنتين وخمسة أشهر من أجل أن يصبح مرشحه رئيساً للجمهورية اللبنانيّة. ولكن الغريب أن من قرر أن يكون بالواجهة اليوم لحماية ميشال عون ومنع المساس به وحتى مساءلته ليس حزب الله، فطالما أن البطريرك الراعي قبل أن يكون هو الحامي لعون بحجة عدم المساس بالموقع المسيحي، وطالما أن الاحزاب المسيحية وعلى راسها القوات اللبنانية تصطف خلف الراعي لحماية عون بحجة حماية الموقع لا الشخص، فما حاجة حزب الله للظهور بالواجهة؟ وإن كان هدف تيار عون مجدداً هو السلطة وهذه المرة لصهر الجنرال جبران باسيل، فإن هدف حزب الله هو إنهاء لبنان الذي نعرفه ليصبح رسمياً ملحقاً بطهران وسياستها، ولكن ما هو هدف بكركي والأحزاب المسيحية، وهل يعرفون أي شيء يغطون باسم حماية الموقع؟ وهل يدركون أن أول من سيدفع ثمن حروب عون الإلغائية هم المسيحيون انفسهم قبل غيرهم كما دفعوا سابقاً؟ إنقاذ لبنان اليوم يقع على عاتق من يحمي عون غطاء حزب الله أولاً، إن كان من أمل بالإنقاذ.

شارك المقال