الكوفيّة

الراجح
الراجح

أعادتنا حادثة الرابع من آب بين مجموعة من الحزب الشيوعي وأخرى من القوات اللبنانية إلى مناخات الحرب الأهلية وبداياتها، إذ قال المسؤول عن موكب القوات القادم من عين الرمانة بصفة “ثوار” يحملون الأعلام اللبنانية، أنهم تعرضوا للاعتداء من قِبَل مجموعة من الحزب الشيوعي وبالتحديد في منطقة الجميزة بالإضافة إلى شتم قائد القوات وزوجته، لكن ما استفزّه كثيراً هو الكوفيّة التي وضعها الشيوعيون على اكتافهم “لأنها لا تشرفه” وكان ما كان.

أنا والكثير من اللبنانيين نفتخر ونعتز برمزية الكوفية العربية، وندعو جماعة حزب “حنا غريب” لعدم استخدامها حتى يخرجوا من العباءة الإيرانية المتمثلة بحزب الله. إلا أن هذا لا يبرر لأي طرف سياسي يتحفنا ليلاً ونهاراً بعلاقاته المتينة والأبدية بالعرب وبالتحديد المملكة العربية السعودية، بأن الكوفيّة استفزته. ويأتي التبرير للحادثة من قِبَل “القائد الحكيم” بلغة غريبة وبتعالي المنتصر لا أعرف على من؟ فتشاهده في عليائه يقول: “اعتقد الشبيبة انهم في الخندق الغميق ونسيوا أنهم في الجميزة”.

ليته قرأ كلام البابا الراحل مار يوحنا بولس الثاني أثناء جولته في لبنان عام 1997: “يعود إليكم أن تهدموا الحواجز التي أمكنها أن ترتفع أثناء حرب وطنكم الأليمة، فلا تقيموا حواجز جديدة داخل بلدكم، بل على العكس من ذلك، إليكم يعود بناء جسور بين الأشخاص، بين الأسر وبين الجماعات المختلفة. ولكم نأمل في حياتكم اليومية، أن ترسوا مبادرات مصالحة للعبور من الريبة إلى الثقة”.

تذكّرني مناخات الحرب الأهلية حين كان الجدل قائماً حول انتماء لبنان “العربي”، بمقال للفيلسوف اللبناني والشاعر والأديب سعيد عقل كتبه في افتتاحية جريدة “لسان الحال” وكان في حينه رئيساً لتحريرها، وذلك رداً على شعار عزل حزب الكتائب الذي اتخذ آنذاك في اجتماع “للحركة الوطنية” برئاسة قائدها الشهيد كمال جنبلاط. وجاء في بيان الحركة الوطنية الذي تضمّن تأكيداً على عروبة لبنان وانتمائه النهائي للعرب والعروبة: “قررنا عزل حزب الكتائب”.

وردّ سعيد عقل في افتتاحيته كاتباً: “اي عرب وأي عروبة. أن لبنان الفينيقي كان قبل العرب وقبل العروبة لأن لبنان ازلي سرمدي لا ينتمي إلا إلى فينيقيا. وسأل من أين اخترعتم لنا انتماءه العربي؟” وانتهى عقل إلى القول: “لمن لا يعرف التاريخ فليعلم أن عمر لبنان “قيون” وشرح أن “قيون” تعني في اللغة الفينيقية ستة آلاف سنة”.

وجاء الرد على سعيد عقل من الكاتب والصحافي ابراهيم سلامة فكتب: “قرأت مقالتك اكثر من مرة ولم يفاجئني حرفاً فيها لكنك يا حضرة الفيلسوف نسيت أن التاريخ لا ينفصل عن الجغرافيا وبمرور الزمن وحتى لو عدنا إلى العصر الفينيقي كنقطة بداية نجد أن الجغرافيا تغيرت وأصبح للعالم ودوله حدوداً وخُلقت القارات فجاء موقع لبنان في آسيا وفي بقعة من آسيا موجود فيها العرب وهو جزء منهم وينتمي حكماً اليهم واذا بقيت مصراً على رأيك بعدم اعترافك بالعرب وبعروبة لبنان يؤسفني قلك انو بدك “قيونين” لتفهم التاريخ”…

أما السؤال اليوم… كم “قيون” يحتاج جبران باسيل وسمير جعجع وأمثالهما ليفهموا التاريخ ويرحمونا…

شارك المقال