الله يستر

د. أحمد عبدالله عاشور

“الله يستر “… كانت هذه إجابته عندما سألته عن أحوال لبنان وما سوف تؤول إليه الأوضاع. كان ذلك في شهر نبسان 2021. حاولت أن أستوضح المزيد مما هو خلف هذه العبارة المهمة، لكنّه نظر إلى السّماء وأعاد العبارة ذاتها مع آهاتٍ حادة تستشف حرارتها وألمها.

كنت أعتقد أن هذه النظرة السلبية تخفي خلفها الكثير من التشاؤم والذعر من مستقبلٍ مظلم لانحدار هذا البلد، لبنان الحبيب، إلى أوضاع لا يعلم سوى الله نتائجها .

ومع مرور الوقت يوميّاً أدركت النظرة المستقبلية لهذا الإنسان المخضرم، وتوقعاته لما سوف يحدث من خلال رؤيته للواقع الفعلي واحتكاكه واتصالاته وعلاقاته مع كثير من المسؤولين في مختلف الجبهات والفئات والطوائف والأحزاب إضافةً إلى طبقات الشعب المختلفة.

“الله يستر”… عبارة لم تُقَل وتُرمى جزافاً بل كانت مبنيةً على معلوماتٍ موثقة عمّا سوف تؤول إليه الأوضاع.

سمير الخطيب ليسَ إنساناً عادياً أو صحافياً أو إعلامياً مخضرما يلقي الكلام جزافاً في مجالس المجتمع، إنّ هذا الإنسان عندما استشعر وضع بلاده وموقف حكامه ومسؤوليه، وما سوف تؤول إليه الأوضاع مستقبلاً وأمام العجز عن الفعل وتكبيل الأيادي وتكميم الأفواه قال جملته: “الله يستر “.

ها نحن اليوم وصلنا فعليّاً إلى رأس القمة، وبدأ الانحدار إلى الهاوية السحيقة، ولا يمكن التنبّؤ إلى أي مدى من الدّمار المستقبلي سوف تصل إليه أوضاعنا المعيشية والأمنيّة والاجتماعيّة والصّحيّة والغذائيّة.

إنّ المؤشرات الأولية تشير بوضوح إلى أوضاع كارثيّة مقبلة، ابتداءً من أزمة المحروقات إلى الدّواء والغذاء والاتصالات والمواصلات والخدمات الصحيّة … إلخ. ولو أخذنا نقص المازوت كمثال فالبداية بغلائه ثم تبدأ السّوق السّوداء وتقنين التّيار الكهربائي وتوقّف المولّدات الخاصّة ثمّ توقّف الشاحنات والمواصلات العامّة وعدم ذهاب المواطنين إلى أعمالهم.

ثم تتوقف المصانع والدوائر الرسمية والبنوك، وتعتذر المستشفيات عن استقبال المرضى، وتغلق المراكز التجارية أبوابها، وتفسد البضائع والمواد الغذائية في المستودعات وتؤدي إلى خسائر فادحة وشح في التموين، كما تتعطل الفنادق والمطاعم وتتوقف الحركة السياحية، وإذا وصل الحال إلى توقف المخابز والأفران ستنقطع لقمة العيش.

هذا ناهيك عن المزارع والمطارات ومحطات ضخ المياه والمراكز التعليمة… إلخ.

عند هذا الحد سوف تتغيّر أخلاقيات البشر، وسوف يبيحون لأنفسهم فعل كل ما هو ممنوع ومحرّم، من سرقات وجرائم وقتل وشغب وإشعال الحرائق والتعدّي على بعضهم البعض، وتنتشر شريعة الغاب والعالم السفلي بدلاً من التعامل الإنساني الرّاقي، عندها لن يأمن أحد على نفسه حتى من جاره.

لا أحد يعلم متى يكون هذا الارتطام الشديد أو الانفجار الضّخم، الذي سوف يحوّل أفراد هذا المجتمع إلى وحوش تبحث عن لقمة العيش والماء والأمان، يصارع كلٌّ منهم الآخر أفراداً أو جماعات بينما يكون المسؤولون في موقف المتفرّج على هذه الكارثة، التي لا يعلم سوى الله نهايتها ونتيجتها المدمّرة، والتي سوف تستمرّ آثارها لسنين طويلة لكي تتعافى. وليس لنا أن نقول الآن غير… الله يستر.

شارك المقال