لا تتوقف اقتحامات جيش الاحتلال لمدن الضفة الغربية وقراها ومخيماتها. هذه الاقتحامات تتحول إلى اجتياح كبير لا سيما في شمال الضفة، ويواجهها المقاومون بالسلاح البسيط من رصاص وعبوات محلية الصنع. وبالتوازي، تعتدي ميليشيات المستوطنين على القرى الفلسطينية وتقتل الفلسطينيين وتحرق المزروعات. وهنا يُطرح السؤال الأهم: من يحمي الفلسطينيين العزل؟
مما لا شك فيه أن السلطة تتحمل هذه المسؤولية، لكن ليست لديها الامكانية القتالية خصوصاً وأن الاحتلال يحاول جرها إلى مربع السلاح وهذا ما يتفوق فيه جيش الاحتلال. وهنا أجرت فرق الجيش مناورة عسكرية في الضفة هي الثانية منذ 7 تشرين الأول الماضي، بمشاركة سلاح الجو. ويتضح أن حكومة بنيامين نتنياهو، انتقلت إلى مرحلة أكثر خطورة باستخدام كل أنواع الطيران بقصف مناطق في الضفة الغربية لاستهداف مقاومين أو بنية تحتية. وهذا المؤشر يؤكد أن لا خطوط حمراً والأجواء تشبه ما حصل في سنوات الانتفاضة الثانية أي قبل 24 عاماً. كيف لا، ووزير الأمن القومي الاسرائيلي ايتمار بن غفير يقلد رئيس الوزراء الراحل أرئيل شارون ويقتحم المسجد الأقصى ويقول إنه يجب السيطرة عليه تماماً.
في الأثناء، أعلن وزير الأمن يوآف غالانت إلغاء سريان قانون “فك الارتباط” بالكامل في شمال الضفة الغربية المحتلة، وبذلك يمكن للمستوطنين العودة إلى ثلاث مستوطنات تم إخلاؤها سابقاً وتقع بالقرب من مدينتي جنين ونابلس. وجاءت هذه الخطوة التي وصفها بـ “التاريخية” بالتزامن مع إعلان النروج وإسبانيا وإيرلندا، الاعتراف بدولة فلسطين. وهذه الخطوة يمكن اعتبارها رداً على هذا الاعتراف، لأن الاستيطان هو من يمنع إقامة الدولة الفلسطينية جغرافياً. وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 500 ألف مستوطن يحتلون الضفة الغربية، بالاضافة إلى 200 ألف آخرين في شرق القدس المحتلة. ويتوزع المستوطنون على 147 مستوطنة تنتهك القانون الدولي، و151 بؤرة استيطانية، تم بناؤها من دون موافقة رسمية وتعتبر غير قانونية بموجب القانون الاسرائيلي والدولي.
وبالنسبة الى قانون فك الارتباط، أقره الكنيست عام 2005، بعد اعلان شارون، عزمه الانسحاب من جميع مستوطنات قطاع غزة، وإجلاء المستوطنين عن أربع مستوطنات شمالي الضفة الغربية وهي: غانيم وكاديم وحومش وسانور. وتم تنفيذ خطة “فك الارتباط” أحادية الجانب في صيف العام ذاته، بحيث أُجلي آلاف المستوطنين من جميع مستوطنات قطاع غزة، ومن المستوطنات الأربع شمالي الضفة الغربية، وذلك بهدف حمايتهم مما وصف بالمخاطر الأمنية في حينه. ونص القانون على أن تكون المستوطنات الأربع شمالي الضفة الغربية مناطق عسكرية مغلقة يُحظر على المستوطنين دخولها إلا باذن من جيش الاحتلال. وقبل عام أقرّ الكنيست تعديلاً على قانون “فك الارتباط”، وتم تغيير اسمه إلى قانون “تعويض ضحايا فك الارتباط”. وسمح هذا التعديل للمستوطنين بدخول مستوطنة حومش والإبقاء على كنيس يهودي أُقيم فيها بعد خطة “فك الارتباط”. وأمرت المحكمة العليا الاسرائيلية بشطب لوائح الاتهام المقدمة ضد المستوطنين الذين دخلوا مستوطنة حومش على أساس “عدم وجود ذنب”. ومع إلغاء غالانت لقانون “فك الارتباط” لم تعد المستوطنات مناطق عسكرية مغلقة وبات بإمكان المستوطنين العودة إليها من دون الحصول على أمر عسكري، والذي كان يُطلب سابقاً.
هنا، رد السلطة كان كلامياً من دون فعل على الأرض، فاتهمت “الاحتلال بالتعنت الذي فاقم زعزعة الاستقرار في المنطقة”، وقالت إنه “لن يحل سلام دائم ما لم تعترف إسرائيل بدولة فلسطينية”. وقال المتحدث باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة: “كل هذه الاجراءات لن تغيّر من صمود الشعب الفلسطيني وثباته على حقوقه وعلى تاريخه وعلى قضيته وعلى مقدساته، وستبقى المعركة مستمرة”.
وأمام التغول الميداني للاحتلال وقوانينه الجديدة، هناك أزمة مالية تعاني منها السلطة بعد رفض الاحتلال تحويل أموال المقاصة. وتوقع البنك الدولي أن يتضاعف عجز موازنة السلطة الفلسطينية، خلال الأشهر المقبلة، ليصل إلى 1.2 مليار دولار، محذراً من تزايد خطر الانهيار المالي للسلطة. وقال البنك الدولي في بيان: “في نهاية عام 2023، وصلت الفجوة المالية بين حجم الإيرادات المتلقاة والمبلغ اللازم لتمويل الإنفاق الحكومي إلى 682 مليون دولار أميركي، ومن المتوقع أن تتضاعف هذه الفجوة، في الأشهر المقبلة، إلى 1.2 مليار دولار أميركي”. ووفقاً للبنك الدولي، فإن مصادر إيرادات السلطة الفلسطينية جفت إلى حد كبير بسبب الانخفاض الحاد في التحويلات والتراجع الهائل في النشاط الاقتصادي. وأشار إلى أن خطر الانهيار المالي للسلطة الفلسطينية، التي تدير الضفة الغربية، يتزايد بعد تدهور وضعها المالي، في الأشهر الثلاثة الماضية.
هكذا، تكثر التحديات أمام السلطة الفلسطينية ما يضعها أمام سؤال المصير وكيفية مواجهة المخططات الاسرائيلية لإسقاطها والسيطرة على الضفة الغربية. وتشير مصادر فلسطينية مقربة من الرئيس محمود عباس، الى أن “المرحلة المقبلة ستكون فيها ردود فعل من المقاطعة”. وهذا ما يشير إلى أن الطوفان الكبير سيكون في الضفة وهي مسألة وقت لا أكثر.