“والله وطلعناهم برا”.. عنوان أغنية الفنان أحمد قعبور الذي عبّر من خلال كتابة كلماتها وتلحينها وأدائها، عن نشوة فرحه بالانتصار الكبير الذي تحقق مع إنسحاب جيش العدو الاسرائيلي في ٢٥ أيار العام ٢٠٠٠ من جميع الأراضي اللبنانية التي كان يحتلها، بفعل وتحت تأثير العمل المقاوم الذي إنطلق من سيدة العواصم بيروت عام ١٩٨٢، ليعم كل المناطق التي إحتلها. فكان من الطبيعي جداً أن يعبّر أحمد قعبور (الانسان والفنان) عن فرحته ويحتفل بتحرير الأرض، وهو أول من غنّى للأرض والوطن والناس ولفلسطين وبيروت والجنوب، لدرجة يمكن وصفه بأنه من أطلق أول “كلمة ملحنة” إنطلقت من حنجرته باتجاه صدر المحتل.
وكأن أغنية “أناديكم” التي غناها للمرة الأولى في مستشفى ميداني، حمّلته عبء أن يتخذ لنفسه مسار الالتزام في الفن، لأنه يرفض “كليشيه” الفن الملتزم، ما جعله يتماهى مع جمهوره ليُصبح واحداً منه، تجمعه به القضايا والهموم والمعاناة والأحلام المشتركة، وكذلك الفرح. فهو يؤكد دائماً أنه يغني للناس، لانفعالاتهم وأحاسيسهم ومشاعرهم الوطنية والعاطفية والاجتماعية والانسانية بكل أبعادها وأشكالها، فيفرح معهم ويحزن معهم، وفي كل مرة هو صوتهم وصرختهم ولسان حالهم في أيام الحرب والسلم، وفي ليالي رمضان، وأجواء العيد، وفي عيون الأطفال.. في بيروت والجنوب والضفة، وكل الوطن العربي.
كل ذلك، جعل أحمد قعبور يحتفل بطريقته بخروج العدو الاسرائيلي من لبنان. ففي الوقت الذي كانت المحطات التلفزيونية والاذاعية تواكب النصر الكبير، بما إعتادت عليه من أغانٍ وطنية وثورية، رافقت مرحلة مقاومة الاحتلال، بما تختزنه في ذاكرة اللبنانيين من حزن ومعاناة ومأساة، قرر أحمد قعبور منفرداً كعادته، أن يغيّر المشهد، من خلال إستبدال الأغاني التي إرتبطت بمرحلة الحروب المتتالية في لبنان، بأغنية مملوءة بالفرح والغبطة والاعتزاز، من وحي المناسبة، التي عمّت فيها فرحة عارمة في نفوس اللبنانيين جميعاً، فكانت أغنية “والله وطلعناهم برا”.
ولهذه الأغنية حكاية، قليل من الناس يعرفها. ففي ذروة الفرح الذي كان يغمر اللبنانيين بالخروج المذل لجيش الاحتلال الاسرائيلي، إتصل الرئيس الشهيد رفيق الحريري بالفنان أحمد قعبور مباشرة، وقال له متسائلاً: “منك مبسوط بتحرير الجنوب؟”، فأجابه بعفويته وبساطته: “بالتأكيد، في حدا ممكن ما يكون مبسوط؟”. حينها قال له الحريري: “طيب لأي متى بتنا نضل نذيع الأغاني اللي تحمل في ذاكرتنا الحزن؟ من حق اللبنانيين أن يفرحوا، وأنت وحدك بصدقك قادر تخليهم يعيشوا فرحة التحرير”. إتصال الرئيس الشهيد في وقت متأخر من الليل، كان حافزاً لأحمد قعبور، بحيث لم تغمض له عين تلك الليلة، بقي ساهراً يقظاً حتى وضع كلمات ولحن أغنية “والله وطلعناهم برا”، وبقي يعد الدقائق حتى يطلع الصباح، ليتجه إلى الأستديو لتسجيلها، ثم إلى التلفزيون لتحويلها إلى “فيديو كليب” في وقت قياسي، من شدة شغف كل من عمل على التسجيل والمونتاج بإنجازها، فأذيعت وبثت في اليوم نفسه، لتتحول بعدما دخلت قلوب الناس بسرعة خيالية، إلى عنوان للمرحلة، وصارت نشيداً يغنيه كل المحتفلين والفرحين بالتحرير.