لم يكد المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان يغادر بيروت بخفيْ حنين أو بري أو جعجع لا فرق، حتى أطل علينا المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين عبر مقابلة مع مؤسسة “كارنيغي للسلام الدولي” وهي مؤسسة جدية ولها سمعتها على مستوى التحليل والأبحاث في العالم. أطل هوكشتاين ليعلن على الملأ قناعته بأن “إتفاقاً يتم تنفيذه على مراحل بين لبنان وإسرائيل قد ينجح في تخفيف حدة الصراع لأن السلام بين البلدين غير ممكن في الوقت الحالي على الأقل”، ملمحاً إلى “حزمة مساعدات إقتصادية للبنان للمساعدة في تحقيق هذا الحل”، وهي ليست المرة الأولى التي يلوِّح فيها بـ “جزرة” المساعدات، وهو الحل – كما يضيف – الذي “قد يؤمن الاستقرار السياسي والاقتصادي للبنان الذي بدوره قد يقلِّص من النفوذ الايراني وغيره في البلد إذا شعر الشعب اللبناني بأن المجتمع الدولي مهتم بالاستثمار في بلده”.
هذا الطرح من آموس هوكشتاين ولو أنه يبدو غير جديد، إلا أن تكرار عرضه يطرح تساؤلات مهمة حول ما إذا كان هذا الطرح هو مجرد تحليل سياسي مثلاً وهذا بالطبع مستبعد، أم هو رسالة وإقتراح قد يكون سُلَّماً يساعد “حزب الله” على النزول عن شجرة الربط ما بين الوضع في الجنوب ولبنان عموماً والوضع في غزة مع الحفاظ على ماء الوجه في حال حصول هدنة أو إتفاق هناك، بشكل قد يلجم جموح (بنيامين) نتنياهو الذي قد لا يقبل بسريانها على الحدود مع لبنان، أم هو فعلاً حل منجز ولكن ينتظر تطورات الأوضاع في المنطقة لتبيان الخيط الأبيض من الخيط الأسود؟ وهذا ربما ما يفسٍّر عدم حماسة “الثنائي الشيعي” للتحرك الفرنسي وما يبدو أنه رهان على التحرك الأميركي، وهو رهان واقعي وبراغماتي جداً بحيث أن الجميع يدرك أن لا حل من دون أميركا في نهاية الأمر، ولذلك من الأفضل التعامل مع الأصيل بدل الوكيل الذي هو الفرنسي، بغض النظر عن “العواطف” التي قد تكون موجودة تجاه فرنسا والتي بطبيعة الحال لا تُصرف في السياسة.
والحديث عن “حزمة إقتصادية” وإستثمار المجتمع الدولي في لبنان واللبنانيين، يبدو هنا وكأنه “رشوة سياسية” للطبقة السياسية وبصورة أدق العصابة الحاكمة التي تعاني منذ العام 2019 من حصار مالي عليها، بسبب رفضها للإصلاحات المطلوبة، والتي هي للأسف أول من يستثمر فينا كبلد وشعب، فبعد أن سرقت ماضينا عبر حروبها الأهلية، وحاضرنا عبر سرقة أموالنا في البنوك، ما هو المانع في أن تساوم أو تقايض على مستقبلنا وهو ما بدأت به أصلاً عبر التنازل في صفقة الترسيم البحري عن حوالي 1429 كيلومتراً من مياهنا؟ ما يدعو الى التساؤل هل حرب “المشاغلة” في الجنوب التي بدأت في الثامن من تشرين الأول الماضي والمستمرة حتى اليوم، هي فعلاً لدعم غزة ومساندتها وهو ما لم يثبت عملياً حتى الآن على الأقل بحيث أنه لم يلحظ أي تغيير في الواقع الميداني في غزة، أم هي إستثمار في محاولة لفك الحصار المالي المفروض على هذه العصابة الحاكمة؟
أسئلة مشروعة بحاجة الى أجوبة واضحة وشفافة، وإلا سيبقى لبنان والجنوب خصوصاً رهينة وضماناً لهذا الاستثمار تطرحه العصابة في سوق الأسهم السياسية الدولية، ونبقى نحن ندور في حلقة مفرغة إلى ما شاء الله أو.. حزبه.