نقرأ كتب التاريخ عموماً بدقة المزور وبحسب الانتماء. وتاريخنا مع الصهيونية بمجمله قائم إما على التزوير وإما على السرقة، من دون أن أتمكن من تمييز الفرق بينهما بوضوح. إلا أني، وبعد قراءة النص المنقول للباحثة المقدسيّة الدكتورة نائلة الوعري، الحائزة على دكتوراه دولة في التاريخ، مع تخصصٍ في تاريخ فلسطين، حول رمزيّة النجمة (ما يُعْرَف بنجمة داوود) والشعار والأرض وتسمية العاصمة القدس، أدركت أن هذه العناصر كلّها مسروقة. تؤكد الدكتورة الوعري أن فلسطين هي عاصمة فلسطين وأن النجمة السداسية، التي يُزعم أنها نجمة داوود، هي في الواقع نجمة كنعانية. وتدعم قولها بصورة لجدار مدفن كنعاني معروض في متحف في بريطانيا.
في الواقع، النجمة السداسية المعروفة بين علماء الآثار باسم “نجمة عشتار”، هي رمزٌ قديمٌ يعود تاريخه إلى حضارات بلاد الرافدين القديمة. إلى كل الّذين يجهلون حقيقة هذا الرمز ويعتقدون خطأً أنه رمزٌ صهيونيٌّ حصريٌّ ويحتقرونه ويكرهونه، لأن اليهود الصهاينة اتخذوا من هذه النجمة السداسية شعاراً لدولتهم الغاصبة، نقول: إنّ الصهاينة سطوا على هذا الرمز ليثبتوا حقيقتهم في أجزاء بلاد الشام. وكان هدفهم تكوين دولة على هذا الرمز، فاستخدمتها مجموعاتٌ يهوديةٌ للدفاع عن مدينة براغ (عندما كانت جزءاً من إمبراطورية النمسا) ضدّ غزوٍ سويديٍّ عام 1648م. ثم اختارتها الحركة الصهيونية عام 1879م، أي بعد مائتي وواحد وثلاثين عاماً، شعاراً للصهيونية ورمزاً للدولة اليهودية مستقبلاً باقتراح من تيودور هرتزل، مؤسس الحركة الصهيونية، وذلك في أول مؤتمرٍ صهيونيٍّ عُقد في مدينة بازل.
للعلم، تُعدّ النجمة السداسية رمزاً قديماً يعود تاريخه إلى حضارة السومريين، حيث كانت تُمثّل “قرص الشمس” وتُستخدم كرمزٍ للعبادة. انتقلت النجمة السداسية بعد ذلك إلى الحضارة البابلية، واستمرت في الظهور في العديد من الحضارات اللاحقة. فنراها في حضارة أوغاريت وعند الفينيقيين وعند المصريين والكنعانيين. إذن النجمة السداسية موجودة في الحضارات القديمة منذ آلاف السنين قبل أن يجعلها اليهود في القرون الوسطى شعاراً لهم! وهي من أكثر الرموز الصورية فلسفة وروحانية. النجمة السداسية المؤلفة من مثلثين متقاطعين، واحد قاعدته إلى الأعلى ورأسه إلى الأسفل، ويمثّل السعي الإلهي للحلول في البشرية، ومثلث قاعدته إلى الأسفل ورأسه إلى الأعلى وهو السعي البشري للفناء في الإلهي، وتقاطعها هو المخلص، ويرمز إلى بعل وتموز وأدونيس وغيرهم. وقد تشاهد في البيوت والكنائس في دمشق القديمة النجمة السداسية… هذه النجمة تمتلك حضوراً فنياً وفلسفياً راقياً في الحضارة السورية العريقة وخصوصاً في أيام الفاطميين، وعنها قيل “نجمة الحكمة” لما تحمله من دلالات فلسفية عميقة.
في حضارة أوغاريت كان المثلث الذي رأسه للأسفل رمز الأنوثة والمثلث الذي رأسه للأعلى رمز الذكورة، وبتداخل المثلثين تولد الحياة… وجد الباحثون:
- ختم بابلي تظهر به نجمة عشتار.
- عملة من عهد القائد صلاح الدين الأيوبي تظهر على الوجهين النجمة السداسية.
- جدار معبد مسيحي في أرمينيا 1200 ميلادي.
- مدفن مسيحي في دير في شام.
- نجمة سداسية محفورة على مدفن كنعاني (المتحف البريطاني).
- سقف كاتدرائية في أرمينيا 1100 ميلادي.
- نقوش على صندوق من العاج (المتحف البريطاني).
كل تاريخ اليهودية الصهيونية مزوَّر، وكما سرقوا الأرض يحاولون سرقة كل شيء… إلا أنهم لن يستطيعوا إيماناً بما قاله غسان كنفاني: “لا شيء، لا شيء أبداً، كنت أتساءل فقط، أُفتش عن فلسطين الحقيقية، فلسطين التي هي أكثر من ذاكرة، أكثر من ولد، وكنت أقول لنفسي: ما هي فلسطين بالنسبة لخالد؟ إنّه لا يعرف المزهرية، ولا الصورة، ومع ذلك فهي بالنسبة له جديرة بأن يحمل المرء السلاح ويموت في سبيلها، وبالنسبة لنا، أنت وأنا، مجرد تفتيش عن شيء تحت غبار الذاكرة، لقد أخطأنا حين اعتبرنا أنّ الوطن هو الماضي فقط، أما خالد فالوطن عنده هو المستقبل، وهكذا كان الافتراق، عشرات الألوف مثل خالد لا تستوقفهم الدموع المفلولة لرجال، يبحثون في أغوار هزائمهم عن حطام الدروع وتفل الزهور، وهم إنّما ينظرون للمستقبل، ولذلك هم يصححون أخطاءنا، وأخطاء العالم كله”.
ملاحظة: النص منقول بتصرّف