fbpx

التهويل بالحرب الشاملة لتعزيز شروط التفاوض بشأن مبادرة بايدن

زياد سامي عيتاني
تابعنا على الواتساب

منذ أن فُتحت جبهة جنوب لبنان كجبهة “مشاغلة”، لم تتوقف إسرائيل عن تهديد لبنان بحرب ثالثة فتاكة وشبيهة بحرب غزة، وإعادته إلى “العصر الحجري” كما وعد سابقاً وزير الدفاع الاسرائيلي يوآف غالانت. ومع بلوغ المواجهة العسكرية بين “حزب الله” والعدو الاسرائيلي، مستوى تصعيدياً متزايداً سواء بالنوع أو الكثافة، وفي وقت يلوح فيه شبح الحرب الشاملة، يستمر قادة جيش العدو في التهديد من “نقطة القرار”، وبالتالي التهويل بأن الجيش ينتظر “الضوء الأخضر” من الحكومة لجعل المواجهة مع الحزب، “ساحة حرب رئيسية”، وتحويل الحرب على قطاع غزة إلى “ساحة معارك ثانوية”، وسط استدعاء 50 ألف جندي احتياط إضافي استعداداً للتصعيد في جبهة لبنان.

وفي موازاة ذلك، صادقت الحكومة الاسرائيلية على قرار يسمح للجيش بزيادة قوات الاحتياط التي سيتم استدعاؤها، ليصل عددها إلى 350 ألفاً، حتى نهاية آب المقبل. وفي إطار استعداد الجيش لاحتمال أن يأمره المستوى السياسي بشن هجوم، قدّم خططاً تحاكي حرباً محدودة زمنياً في جنوب لبنان فقط، وكذلك حرباً واسعة، من شأنها أن تؤدي باحتمال مرتفع إلى فتح جبهات أخرى.

على المقلب الآخر، فإن “حزب الله” وبلسان نائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم رسم معادلة واضحة في وجه التهديدات الاسرائيلية، معلناً أن “قرارنا ألا نوسع الحرب، لكننا سنخوضها إذا فُرضت علينا، وإذا أرادتْ إسرائيل خوض حرب شاملة فنحن جاهزون لها، وأي توسيع إسرائيلي للحرب على لبنان سيقابله خراب ودمار وتهجير في إسرائيل، والمقاومة جاهزة للمعركة، ولن تسمح لإسرائيل بتحقيق أي انتصار”.

يذكر أن هذه المواقف جاءت على وهج التهاب الشمال الاسرائيلي بالحرائق نتيجة قصف “حزب الله”، رداً على إستخدام الجيش الاسرائيلي قنابل الفوسفور الأبيض، ما تسبب في إشتعال نيران هائلة شمال إسرائيل، إلى جانب إعلان مستشفى صفد أنّه استقبل 16 مصاباً جراء حرائق كريات شمونة، بينهم 7 جنود، ما دفع الجيش إلى طلب فرق الاطفاء دعماً من ألوية أخرى للسيطرة على الحرائق الهائلة والتي تسبب أحدها في خلل في نظام الاتصالات في كريات شمونة التي التهمت النيران منازل فيها.

وفيما تخيم نيران الحرائق على المشهد على مقلبي الحدود، وسط تصاعد أصوات في تل أبيب داعية الى “حرق لبنان كله” أو “كل ما له صلة بحزب الله”، وذلك على وقع مشاهد مستعمرات تلتهم النيران مساحات واسعة منها، تزايدت المخاوف جراء تطورات جبهة “المشاغلة”، لا سيما في ضوء تقارير عن تلقي لبنان رسائل بأن إسرائيل ستهاجم أراضيه، على الرغم من النفي الرسمي لذلك.

إزاء هذا التصعيد النوعي والكمي في المواجهات بين العدو الاسرائيلي و”حزب الله”، وإدخال الجانبين في الأيام الأخيرة السلاح الحارق إلى مسرح المعركة، هل توسع الحرب بات خياراً إسرائيلياً وشيكاً؟

بعيداً عن المواقف التهويلية لقادة العدو الاسرائيلي، فإن من الضروري التعمق بـ “الجردة” التي أعدها رئيس قسم الأبحاث في معهد “ألما” الاسرائيلي الباحث تال بيري، الذي رأى أن القوة النارية الرئيسية لـ “حزب الله” هي الصواريخ والقذائف، ويمكن أن تستهدف كامل أراضي إسرائيل بقدرة إطلاق نار دقيقة، وأن المنطقة التي ستتعرض بصورة رئيسية لكمية كبيرة من النيران، هي المنطقة الشمالية بأكملها حتى حيفا. وقدّر أن الحزب يملك 150 ألف قذيفة هاون، و65 ألف صاروخ يصل مداها إلى 80 كيلومتراً، و5000 صاروخ وقذيفة يصل مداها إلى 80-200 كيلومتر، و5000 صاروخ يصل مداها إلى 200 كيلومتر أو أكثر، و2500 طائرة من دون طيار، ومئات الصواريخ المتطوّرة، مثل الصواريخ المضادة للطائرات أو صواريخ كروز. وتوقع أن يرسل “حزب الله”، في حالة اندلاع الحرب، آلاف الطائرات من دون طيار والصواريخ إلى إسرائيل كل يوم. والأهمّ في إستشراف بيري توقعه أن يحاول الحزب تنفيذ غزو برّي في الجليل، وسيحاول بالتأكيد التسلل عبر العشرات إن لم يكن مئات العناصر، مع العلم أن وحدة “الرضوان” قادرة على القيام بذلك، وكل ما يحتاجون إليه هو تلقي التعليمات والأوامر.

هذه “الجردة”، لا تعني كما يمكن أن يفهم من القراءة السريعة أن إسرائيل تقف عاجزة أمام ترسانة “حزب الله”، بل هي تؤشر الى نقطتين أساسيتين:

-دقة الحسابات الاسرائيلية قبل إتخاذ أي قرار بتوسيع جبهة المواجهة مع “حزب الله”.

-توجيه رسالة للحزب بأن إسرائيل على معرفة دقيقة ومفصلة بقدراته، وربما “ما هو أكثر”.

كل هذه التطورات، تزامنت مع مبادرة الرئيس الأميركي جو بايدن، التي يتناول جانباً منها الوضع جنوبي لبنان، ما يجعل المتابعين والمراقبين يضعون المواقف التهويلية بالحرب الشاملة والتصعيد العسكري في إطار تعزيز الشروط التفاوضية، مع المعلومات المؤكدة أن بايدن يقطع الطريق أمام انزلاق الجبهة اللبنانية إلى حرب واسعة، كما أنه يسعى إلى تعبيد الطريق أمام إستئناف الموفد آموس هوكشتاين مهمته المنتظرة، للتوصل إلى اتفاق حدودي تعمل عليه واشنطن. لكن المنطق السياسي، قابل للسقوط أمام الأخطاء في التقديرات، ما يبقي إحتمال الحرب الموسعة قائماً.

إشترك بالقائمة البريدية

شارك المقال