عليّ وعلى أعدائي

د. أحمد عبدالله عاشور

إنَّ مواقف بعض المسؤولين، وبعض ما يسمى بالحكام أو الزّعماء الّلبنانيين، لا تنم عن النضوج العقلي ولا ترقى إطلاقاً إلى مستوى الوطنيّة أو المنطقيّة أو المصداقيّة، بل عبارة عن تصرفات رعناء جاهلة بلهاء غبية أودت بالشعب اللبناني العريق للهاوية، وما زالت مستمرة حتى الآن في حصد مزيد من الدّمار والخراب بهذا البلد.

إنّ الأمر تعدّى الانهيار الاقتصادي والاستنزاف القذر والانفلات الأمني. لقد أخذ الصّراع جراء تصرّفات غير محسوبة إلى مسار أخطر، إلى تناحر اجتماعي طائفي قبلي وإثارة النّعرات والصراع المذهبي الكريه، كما وأُدخِلَ في الصّراع عناصر خارجيّة أجنبية ظاهرها الرحمة وباطنها الخراب، وهذا الأمر الخطير سوف يولد العداوة بين أفراد الأسرة الواحدة ويصعب التشافي منه.

عندما صرّح أحد زعماء الأحزاب بكل وقاحة وكبرياء وبالتعنت والإصرار بقوله: “علي وعلى أعدائي” فهو بذلك يسعى إلى الخراب الممنهج، يعني بالفعل تدمير كامل المجتمع من بشر ونبات وحيوان وجماد.

من المقصود بالأعداء؟ إنّهم مواطنون لبنانيون أخوة وأقارب وأصهرة  وأصدقاء،  أفراد من مجتمع تربى وترعرع وتعلم وشارك سويّاً في بناء الوطن ورفعته لفترة زمنيّةٍ طويلة حتّى وصل إلى هذا المستوى.

فهل يعقل لأطماعٍ وأهواءٍ شخصيّةٍ بحتة أن تدمّرَ وطناً وتقتل أبناءه لتحقيق غاية فردية وزعامة مزاجيّة زائفة وحقداً أعمى وحسداً بغيضاً ولعبة قذرة شارك الجميع بها وانقادوا فيها كالخراف؟

لقد غاب العقل وعميت البصيرة لبعض المسؤولين الخونة الذين لا همّ لهم سوى الزعامة والمادة، باعوا بلادهم بأرخص الأثمان وجندوا أتباعهم وأعلامهم وأبواقاً مأجورة بما لها من قدرات على التطبيل والإفتاء وقلب الحقائق وإثارة النزاعات الطائفيّة، مستغلة اختلاف المذاهب والأديان لإثارة الفتن ما بين الشعب الواحد ووضع مخطط لتدمير البلد وفق منهج لمؤامره جهنمية خسيسة.

ومع ما يضمّه هذا البلد من عقول جبارة وذكيّة، ألا يوجد بينهم بعض الحكماء والعقلاء للتّوسّط لإخماد هذه الفتنة ووضع استراتيجيّة وجهود شرعيّة لتحقيق مصالح وطنيّة مشتركة للجميع؟

ألا يعي اللبنانيون ما حدث لهم في الماضي وأخذ العبرة ممّا حدث في بلدان مجاورة؟

ألا يعي الحكّام مخاطر هجرة مواطنين ذوي عقول نّيّرة والتي استنفذت الدّولة الكثير لتعليمهم للاستفادة منهم في بلادهم؟

ألا يعي الحكّام محاولة إنقاذ بلدهم والكف عن المضي في لعبةٍ قذرة لاستنزاف قدرات وميزانيّة دولتهم وتوريطهم لأقصى حدٍّ ممكن؟!

والله عيب وألف عيب أن تنعت أهلك وشعبك بالأعداء وتعبير ينم عن ضيق الأفق وسطحيّة التفكير.

إنّ هذا التّصرّف الأهوج يدل على نزقِ وصفاقةِ واستعلاءِ هؤلاء الحكّام ولا يدلّ على حكمة أو حرص على أمور شعبهم.

إنّ ما يجري الآن على السّاحة اللبنانية هو بوادر جريمة نكراء لتدمير لبنان وعار سوف يلحق بالجميع جرّاء ذلك، ولن يغفر التّاريخ لمن تسبّب وشارك فيها بل سيكشف الحقائق كاملة لهذه المؤامرات وتعرية كل من كان خلف الأعمال القذرة والمخزية من قبل حكّام ظالمين وفاسدين ومأجورين، ومن حاول القضاء على حضارة بلاد وشعب أهدى البشريّة آلاف العلماء والأدباء والشّعراء والقادة السّياسيّين والنابغين في شتّى العلوم وتركوا بصمات واضحة في جميع دول العالم.

أما آن الأوان أيها الحكام أن تفيق ضمائركم وأن تعودوا إلى جادة الحقّ والصّواب وأن تحاسبوا أنفسكم قبل أن يحاسبكم الله والتاريخ على ما تسببتم به.

إنّ الشّجاعة الآن هي صحوة الضّمير والاعتراف بالخطأ وعدم الانجراف إلى مزيدٍ من الصّراع الدّموي والمادّة واتّخاذ القرار الصّحيح والتّاريخي، أمّا التّصلّب والتّشدّد والموقف السّلبي من باب الكبرياء فما هو سوى صفاقة تولد المزيد من الكره والدّمار والانقسامات.

أسأل الله الهداية للجميع وأن يحفظ الله أبناء لبنان الحبيب.

ودمتم سالمين

شارك المقال