أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأسبوع الماضي، خلال قمة مجموعة السبع في جنوب إيطاليا، أن فرنسا والولايات المتحدة وإسرائيل ستعمل ضمن إطار “ثلاثي” على خريطة طريق فرنسية هدفها إحتواء التوترات على الحدود بين إسرائيل ولبنان، وتهدف هذه الآلية إلى تنسيق المبادرات التي تقوم بها باريس وواشنطن، خصوصاً بعدما أعربت الدولتان عن قلقهما من مخاوف إنفجار جبهة الجنوب على نطاق واسع.
يذكر أن هذا الاعلان أتى بعدما تصاعدت العمليات العسكرية في الجنوب، حيث قام “حزب الله” بإطلاق حوالي 150 صاروخاً على اسرائيل في هجوم يعد الأكبر من نوعه منذ بداية الحرب في تشرين الأول الماضي، وتزامن ذلك مع شنّ عدة أسراب من المسيّرات الانقضاضية هجوماً جوياً على ثلاث قواعد، تضم إحداها مقراً استخباراتياً “مسؤولاً عن الاغتيالات”.
وكان قادة المجموعة قد عبّروا عن قلقهم البالغ إزاء الوضع على الحدود الاسرائيلية اللبنانية وتأييدهم الجهود الأميركية للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في قطاع غزة.
يشار إلى أن فرنسا تحاول منذ كانون الثاني إحتواء المواجهات على الحدود بين إسرائيل و”حزب الله” والتي تتسع رقعتها، بحيث سبق أن طرحت مبادرة أولى، تم تعديلها بداية أيار، بناء على طلب بيروت، التي اعتبرت أن صيغتها تصب إلى حد بعيد في مصلحة إسرائيل.
ونصت الخطة على وقف أعمال العنف من الجانبين وانسحاب قوة “الرضوان” التابعة لـ “حزب الله” ومجموعات مسلحة أخرى حتى مسافة عشرة كيلومترات من الحدود مع إسرائيل، على أن تمنح قوة الأمم المتحدة في لبنان، حرية تحرك كاملة في المنطقة، مع تعزيز دور الجيش اللبناني وعديده.
وبعدما فشلت الخطة الفرنسية، تعود باريس مرة جديدة الى محاولة “لملمة” الأوضاع المتصاعدة، بالتنسيق هذه المرة مع واشنطن، لبحث وتحديد خريطة طريق لتهدئة الوضع ومنع التصعيد بين الجانبين، بعدما فشل المبعوث الرئاسي الفرنسي الخاص جان ايف لودريان خلال زيارته السادسة إلى لبنان في إحداث أي خرق في جدار الأزمات اللبنانية.
وراهنت باريس على أن تسهم اللجنة الثلاثية في تهدئة التوتر وتجنب المزيد من التصعيدات العسكرية بين الطرفين، وبذلك تحافظ على السلم والاستقرار في المنطقة. إلا أن أي مؤشرات يمكن التأسيس عليها، لم تظهر منذ الاعلان “الماكروني”، خصوصاً من الجانب الأميركي، حيث لا تحركات جدية من واشنطن، لقناعتها بأنها لا تزال من خلال ضغوطها على نتنياهو، تمنع إنحدار الأوضاع إلى حرب موسعة، خصوصاً أنها تربط أي مبادرة لتبريد الجبهة الجنوبية بإتفاق شامل لترسيم الحدود.
أما على المقلب الاسرائيلي، فقد رفض وزير الدفاع يوآف غالانت أول من أمس المبادرة الفرنسية الجديدة الهادفة الى محاولة احتواء التوتر على الحدود الاسرائيلية- اللبنانية، متهماً باريس بـ”العدائية” حيال إسرائيل، بحيث كتب في رسالة على منصة “إكس”: “فيما نخوض حرباً عادلة دفاعاً عن شعبنا، اعتمدت فرنسا سياسة عدائية حيال إسرائيل، وعبر قيامها بذلك، تتجاهل الفظائع التي ترتكبها حماس”، مضيفاً: “إسرائيل لن تكون جزءاً من الإطار الثلاثي الذي اقترحته فرنسا”.
وأثار رفض غالانت للمقترح الفرنسي انتقاد مسؤولين بارزين في وزارة الخارجية الاسرائيلية، فرداً على أسئلة “وكالة الصحافة الفرنسية” لمعرفة ما إذا كانت هذه التصريحات تعكس موقف الحكومة الاسرائيلية، قال ناطق حكومي إن غالانت تحدث بصفته وزيراً للدفاع.
وفي السياق نفسه، أكد مسؤولون كبار في وزارة الخارجية الاسرائيلية “بعيداً من الخلافات في الرأي بين إسرائيل وفرنسا، فإن هجمات غالانت على باريس غير صائبة وفي غير محلها”.
وذكروا بأن “فرنسا شاركت بفاعلية في الدفاع عن أجواء دولة إسرائيل ليلة 13-14 أبريل (نيسان) الماضي للمساعدة في التصدي لهجوم غير مسبوق شنته إيران ضد إسرائيل”، معتبرين أن فرنسا “تميزت منذ بداية الحرب، بسياسة واضحة من الإدانة والعقوبات ضد حماس”.
ولكن تصريح غالانت ليس عابراً، خصوصاً وأنه يتولى أهم حقيبة وزارة في هذه الفترة الحرجة من تاريخ الكيان الصهيوني. فهل يضيف موقفه تجاه باريس أزمة جديدة الى الأزمات التي تحاصر حكومة نتنياهو، والتي من شأنها أن تدفعه في أي وقت الى الجنوح الى جر المنطقة بأسرها نحو زلزال كبير؟