“في الوقت الذي جعلنا حزب الله ننام يومين حرص على تصوير جميع أماكننا الاستراتيجية في منطقة حيفا بأكملها…” بهذه العبارة، وصف أحد المواقع الاخبارية الاسرائيلية، بث “حزب الله” لشريط فيديو مصور عرض فيه مسحاً دقيقاً من الجو لمناطق في شمال إسرائيل، بالخطير والأكثر إثارة للقلق منذ بداية الحرب. فقد نجحت مسيرة لـ”حزب الله” في إختراق هو الأخطر للعمق الاسرائيلي، وتحديداً منطقة حيفا، ومواقع عسكرية وصناعية مهمة واستراتيجية وثّقها الحزب وبعضها التقط لها صوراً “حيّة” ومتحرّكة.
وقال الحزب إن مسيّرة “الهدهد” دخلت المجال الجوي لاسرائيل وصوّرت مقطع فيديو لمواقع شاسعة في محيط مدينة حيفا، الواقعة على بعد 27 كيلومتراً من الحدود اللبنانية. وأظهر الشريط، الذي تم بثه بعنوان: “هذا ما رجع به الهدهد” صوراً عالية الدقة، لمواقع إسرائيلية في غاية الحساسية، بينها منطقة صناعية عسكرية تتبع لشركة “رفائيل”، تضم مصانع ومخازن وحقول تجارب تصنع وتجمع فيها مكونات أنظمة الدفاع الجوي وتعتبر كلها بالغة السرية. ووردت في الشريط أيضاً مشاهد لقواعد عسكرية ومصافي النفط ومنظومات الدفاع الجوي والقبة الحديدية ومنصة “مقلاع داوود” ومنظومات الردار، ومصانع أسلحة وصواريخ، وميناء حيفا وحاويات المواد الكيميائية في محيطه، إضافة إلى مراكز تجارية وسكنية ومنشآت مطار المدينة ومهبط الطائرات فيه. وقالت قناة “الاعلام الحربي” التابعة لـ “حزب الله” إن تلك المواقع الكثيرة أصبحت اليوم “تشكل بنكاً للأهداف” في شمال اسرائيل.
إذاً، بفيديو من نحو 9 دقائق ونصف الدقيقة، ردّ حزب الله بـ “الهدهد الزاجل” على رسالة التحذير الأكثر جدية منذ 8 أشهر التي حملها الموفد الأميركي آموس هوكشتاين من اسرائيل إلى بيروت تحت عنوان “الوقت ينفد”، والتي وضعت الحزب أمام واحد من خيارين: إما انسحابه إلى ما وراء الليطاني الآن وإمّا الحرب. وبمجرد بث الشريط على وسائل الاعلام الدولية توالت ردود الفعل في الاعلام الاسرائيلي، ففي تصريحات للقناة 14 الاسرائيلية قال المراسل العسكري: “حزب الله ينشر وثائق غير عادية من عمق الأراضي الاسرائيلية… ويعرض الأهداف الاسرائيلية في ميناء حيفا والقاعدة البحرية…”. وذهب عدد من المحللين العسكريين والسياسيين إلى اعتبار بث “شريط الهدهد” تهديداً وتحدياً لإسرائيل وحدثاً فريداً قد يضع قواعد اشتباك جديدة طبقاً لمعادلة ردع جديدة، بعد أن كشف الشريط عن قدرات عسكرية وإمكانات تسليحية كبيرة بيد “حزب الله”.
في المقابل، رأى محللون عسكريون في لبنان أن “حزب الله” بكشفه تلك المنشآت يتوافر له الآن بنك أهداف إسرائيلية من ثلاثة أنواع: فهناك مناطق مدنية ومجمع للصناعات العسكرية وثالثة للمنشآت الاقتصادية، وقد تهاجمها مسيرات “حزب الله” وصواريخه في حال أقدمت إسرائيل على توجيه ضربة عسكرية الى الأراضي اللبنانية. لقد تمكن “حزب الله” من إحداث خرق نوعي على الصعيد الاستطلاعي والاستكشافي والمسح الميداني للمواقع الحيوية الاسرائيلية المختلفة، ينطوي على أهمية كبيرة من الناحية الاستراتيجية، التي يمكن تحديدها بالنقاط التالية:
- أظهر الفيديو دقة متناهية للعديد من الأهداف في حيفا وجزر كريوت وبعض المواقع العسكرية الحساسة، وتم تسجيل إحداثيات دقيقة جداً لهذه المواقع، مع إعطاء مسافات دقيقة باتجاه لبنان.
- القدرة الاستخبارية التي أظهرها الحزب من خلال تجميع بنك المعلومات الاستخباري، وهذا أمر غير مسبوق في المواجهات السابقة.
- المواجهة العسكرية مع الحزب يجب أن تأخذ في الحساب أن نوعية أهدافه القادمة ستكون كبيرة ومؤثرة ومؤلمة بالنسبة الى الجيش الاسرائيلي. وقد إختار “حزب الله” توقيتاً دقيقاً في لحظة سياسية مفصلية لعرض الفيديو، بحيث جاء في ظل التهديدات الاسرائيلية باجتياح لبنان لدفع مقاتلي الحزب إلى خلف نهر الليطاني، وكأنه تعمد إيصال رسائل سياسية بواسطة “الهدهد الزاجل” الى العدو الاسرائيلي، بأنه إذا أردتم الإقدام على هذه الخطوة فإن حساباتكم يجب أن تكون دقيقة، لأن المواجهة الآن ستختلف عن المواجهات السابقة من حيث الأهداف والأدوات والأساليب والقدرات، وأن هناك إمكاناً كبيراً جداً للوصول إلى هذه الأهداف، على الرغم من وجود المنظومات الرادارية التي فشلت في كشف هذه الطائرات المسيرة، وبالتالي ان المواجهة ستنتقل من المستويين التكتيكي والتعبوي إلى المستوى الاستراتيجي مباشرة، وهذه نقلة كبيرة جداً في المواجهة عندما يتم تصوير أهداف في العمق الاسرائيلي بهذه الدقة وهذه الإحداثيات الدقيقة والمديات.