في خطابه الأخير وجه الأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصر الله تهديداً على شكل تحذير الى جمهورية قبرص من مغبة التعاون العسكري مع إسرائيل في حال إندلاع حرب مع لبنان. هذا التهديد الذي جاء مفاجئاً ومن خارج سياق التوقعات، كان لافتاً في توقيته بحيث جاء بما يعنيه من تحذير وتهديد للإتحاد الأوروبي بإعتبار قبرص أقرب الأعضاء إلى منطقة النزاع، جاء بعد الموقف الأوروبي الأخير ضد إيران في مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهو موقف حاولت الولايات المتحدة الأميركية التخفيف من حدَّته يومها على ما جاء في الأنباء.
لن ندخل أكثر في حيثيات هذا التحذير – التهديد الذي أطلقه السيد نصر الله وأهدافه، فهذه ليست المرة الأولى التي يهدد بها ويهاجم دولاً صديقة وشقيقة للبنان – وغالباً ما تكون لأهداف غير لبنانية للأسف – ما ترك أبلغ الأثر على علاقات لبنان الخارجية سواء مع المحيط العربي أو الدولي، لكن ما لفت نظرنا هذه المرة هو هذا التجاهل من أركان “الدولة” – أو بقاياها – لتصريحات كهذه، وكأني بهم قد سلَّموا تماماً بأن للدولة “رأساً” واحداً – غير رئيس الجمهورية المغيَّب قسراً عن سابق تصور وتعطيل – يفكر ويقرر وينطق بإسمها، وبأنهم باتوا أدوات تنفيذية لا أكثر في خدمة هذا الرأس – المرشد الذي لا راد لكلمته ولا صوت يعلو فوق صوته، كذلك “أقطاب” المعارضة الأشاوس الذين لم نسمع لهم صوتاً، ربما لأن قبرص لا خيل عندها تهديها ولا مال فبخلوا عليها حتى بالنطق.
وكما على المستوى الوطني العام، كذلك على المستوى الشيعي الخاص فلم نسمع أي تعليق يصدر عن أي جهة سواء سياسية أو دينية على كلام السيد نصر الله وخطورته بالنسبة الى لبنان والشيعة من ضمنه، ما يطرح السؤال عن مدى خلو الساحة الشيعية من العقلاء في مؤسسات الطائفة الذين كان آخرهم للأسف الشيخ محمد مهدي شمس الدين، والذين عادة ما كانوا يفرملون أي شطط سياسي ويحاولون رفع الضرر عن الجماعة ولو بالكلمة؟ صحيح أن قبرص لن تكون أعز عندهم من الدول العربية الشقيقة التي تعرضت في السابق لتصريحات وحتى ممارسات أبشع بكثير من التحذير والتهديد، لكن الأمر هنا مختلف ويتعلق بدول الاتحاد الأوروبي مجتمعة الأمر الذي يُذكِّرنا بتصريحات وليد المعلم وزير خارجية النظام السوري السابق والذي “محا” أوروبا بتصريح واحد عن الخريطة، ومدى تأثير هذا الأمر على مصالح لبنان في هذه الظروف التي يعيشها والتي تجعله بأمس الحاجة الى زيادة أصدقائه لا أعدائه.
وعندما نتكلم عن الشيعة فلسنا سذَّجاً كي نتكلم عن معارضة شيعية أو منظمات مجتمع مدني أو شخصيات شيعية عامة، تم إختزالها للأسف وتهميشها بالترغيب تارة وبالترهيب أخرى، بل نتحدث هنا وبصراحة عن أحد جناحي الثنائي الشيعي الحاكم في البلد والطائفة ألا وهو الرئيس نبيه بري الذي يعتبره الكثير من اللبنانيين – فما بالك بالشيعة منهم – “ضمانة” للبنان الواحد والعيش المشترك، لهذا كان صمته مستغرباً في ظل هذه الظروف التي يعيشها لبنان والمنطقة، ما يدعو الى التساؤل عن السبب، فهل هذا التهديد يُعتبر جزءاً من “المعركة الديبلوماسية” التي يخوضها الرئيس بري مع الادارة الأميركية بشخص مبعوثها آموس هوكشتاين مثلاً في محاولة لتقوية موقفه عبر التهديد بخطورة توسيع الحرب؟ أم أن الرئيس بري يعرف أن هذا التهديد مجرد كلام سياسي لا مفاعيل له على الأرض ويمكن إستيعابه من خلال العلاقة مع قبرص، ولا يعدو كونه لرفع المعنويات من جهة، وجزءاً من فاتورة سياسية يدفعها الحزب لإيران مثلاً لإيصال رسالة الى الأوروبيين عبر قبرص كعادة إيران في إيصال رسائلها من جهة أخرى؟ في كلتا الحالتين لبنان كدولة وشعب هو المتضرر من هذه الممارسات التي نحن بغنى عنها في هذه الظروف، وإذا كان منطق “حزب الله” بأن كل من له علاقة وتعامل عسكري مع إسرائيل يجب محاربته، فهذا يعني محاربة ثلاثة أرباع دول العالم وعلى رأسهم أميركا التي نستقبل مبعوثها بالأحضان لا بل نتعامل معه أحياناً بـ”إستجداء” كما حصل في ملف الحدود البحرية ولن نقول أكثر.