زلزال في كابول يهزّ بغداد

علي البغدادي

ما إن انهار النظام “الديموقراطي” المدعوم أميركياً بزلزال دخول حركة طالبان إلى العاصمة الأفغانية كابول حتى اهتز الجميع في العاصمة العراقية بغداد من ارتداداته .

وتتشابه المظاهر والظواهر السائدة في أفغانستان مع الواقع العراقي ولاسيما ما يخص ضعف القوات الأمنية وتفشي الفساد وانتشار السلاح بيد المليشيات وتردي الخدمات والأزمة الاقتصادية والانقسامات السياسية وهو ما أدى إلى حدوث الانهيار الدراماتيكي الذي أثار فزع وصدمة العالم بعد عقدين من الحرب لم تثمر عن نتائج حقيقية للأهداف التي تقف خلفها وهو الحال عينه الذي وصل إليه العراق بعد عقدين من ذات الانتقام الأميركي عقب أحداث 11 أيلول 2001.

ومع الانسحاب الفوضوي للقوات الأميركية من أفغانستان، فإن المخاوف ازدادت في العراق من حدوث انتكاسة أمنية في ظل تنامي الخلايا النائمة لتنظيم داعش في وقت تحولت مجريات الأحداث الأفغانية إلى ذريعة للفصائل الموالية لإيران لتبرير مواقفها المتشددة من مستقبل الوجود الأميركي في العراق ومعاداة الجهات العراقية المؤيدة لهذا الوجود وهو وضع قد يجعل تلك الجهات في موقف حرج.

ويبدو أن المشهد الأفغاني وتأثيره في الواقع العراقي سيكون مرتبطاً بلا شك بمستقبل الوجود الأميركي في العراق مع أن مستقبل هذا الوجود حُسم ولا عودة فيه، فالولايات المتحدة لن تحتاج لقواعد اذا ارادت التدخل في العراق أو أفغانستان.

كما أن واشنطن قررت أنها هُزمت في أفغانستان وأن الوضع ميئووس منه كما قررت أن العراق منطقة مصالح استراتيجية يجب التعامل معها بطريقة الرعاية والتدريب والدعم.

وإذا وصل الأميركي لاستنتاج بأن العراق كأفغانستان حالة ميئووس منها، فسنرى الفوضى آنذاك تضرب المدن العراقية في ظل تداخل صلاحيات القوى الأمنية والعسكرية مع الحشد الشعبي الذي يضم فصائل مسلحة مدعومة من إيران، ليس نتيجة مؤامرة ستحركها واشنطن بل نتيجة تحرك المنافسين لها لملء الفراغ الاستراتيجي.

فالعراق كما يرى كثر أو تتحدث عنه الوقائع أصبح منطقة نفوذ إيرانية عبر الميليشيات التي تمارس القوة لفرض هيمنة إيران عليه والسعي للسيطرة على قراره والحد من الانفتاح على المحيط العربي .

ويبدو أن واشنطن أقرب إلى الواقع خلال المدى القصير في بقاء العراق منطقة مصالح استراتيجية وفقاً للاتفاق الاستراتيجي والحوارات الجارية بين بغداد وواشنطن فيما يبدو ملء الفراغ من قبل المليشيات بعيداً نوعاً ما، فالولايات المتحدة ما زالت تؤمن بأن العراق ممكن أن يكون شريكاً استراتيجياً لها في المنطقة، لكن إذا جاءت حكومة معادية لها تماماً وتنتهج منهجاً استفزازياً فستنسحب تماماً بالتأكيد.

ويقول أحمد عياش المحلل السياسي العراقي أن “المشهد في ‫كابول ليس غريباً على العراقيين، فقد كان حاضراً بينهم عام 2014 نتيجة الفساد والمحاصصة والطائفية لكن إرادة القوى العظمى حالت دون سقوط بغداد بيد الإرهاب”. وأضاف عياش أن “ساسة العراق لم يعوا الدرس ولم يغيروا نهجهم بل انتهجوا سياسة القمع ومارسوا أبشع الطرق في الابتزاز وكمّ الأفواه وسلب الحريات وسوء الخدمات والسرقات التي طالت حتى المواطن البسيط وصار فسادهم أضعافاً مضاعفة عما سبق بل وصارت عمالتهم وولاؤهم للخارج بشكل معلن من دون حياء، فمكّنوا اللادولة على الدولة”.

ولفت المحلل السياسي العراقي إلى أن “ما حدث في أفغانستان نتيجة حتمية لوضع مشابه للوضع العراقي، ولاسيما أن دول العالم الخارجي مستعدة للتعامل مع الدول مستقلة القرار، المستقرة أمنياً ذات السيادة الكاملة على أراضيها وليست الدول التي تُملى عليها القرارت من الخارج، بغض النظر عن فكر وتوجه (الحزب الحاكم) وإن كانت قد أعلنت عليه حرب في وقتٍ مضى”.

واللافت إلى أن المعادلة الأميركية تجاه أفغانستان تكاد تكون شبيهة بالوضع العراقي فإدارة جو بايدن تخوض مفاوضات مع الكاظمي لبقاء قوات رمزية لمواجهة تنظيم داعش بعد انسحاب القوات القتالية الأميركية من العراق والاكتفاء بإعطاء الرأي والتدريب والمشورة والاستخبارات فضلاً عن أن أي قرار للانسحاب ستكون أبعاده خطيرة وقد تترك فراغاً كبيراً فيه إلى جانب ما يحصل الآن في لبنان وسوريا واليمن باعتباره مرتبطاً إلى حد كبير بالتفاهم النووي مع طهران ولا سيما أن العودة إلى هذا التفاهم لا تخلو من صعوبة بعد انتخاب إبراهيم رئيسي رئيساً لإيران .

ومما لا شك فيه أن الوضع في دول الشرق الأوسط ما زال مضطرباً ولا توجد سياسة واضحة وصريحة من قبل الرئيس بايدن بشأن مصير الدول المضطربة ومن بينها العراق الذي قد يكون فريسة سهلة لإيران وأدواتها أو قد يقوده الانسحاب الأميركي المفاجئ نحو التقسيم في أفضل الأحوال.

شارك المقال