في الوقت الذي تتجه فيه أنظار اللبنانيين الى الملامح الانفراجية التي هبت على مفاوضات التهدئة في غزة، وسط تسريبات عن قرب التوصل إلى اتفاق إطار في هذا الشأن، لمعرفة ما إذا كان ذلك يضمن تبريد جبهة “المشاغلة” بين “حزب الله” واسرائيل وتهدئتها، أقدمت الأخيرة على إغتيال ميثم العطار المسؤول في منظومة الدفاع الجوي التابعة للحزب.
وهذا ما يطرح المخاوف من أن إسرائيل لن تتقيد بمعادلة “حزب الله” التي تقوم على وقف النار في الجنوب، مقابل وقف العدوان على غزة، على الرغم من أن حركة “حماس” تعمل على إظهار امتنانها للحزب وإشراكه في مسار التفاوض ولو بصورة غير مباشرة، فمثلما حرصت على ترديد شعار وحدة الساحات في الحرب، تحرص على وحدة الساحات في الافادة من الهدنة لتبريد جبهة جنوب لبنان. مع ضرورة الاشارة الى أن معادلة الحزب كانت شعاراً لفتحه جبهة الجنوب، مع المحافظة من جانبه على الإلتزام بقواعد الاشتباك، على الرغم من إقدام إسرائيل تباعاً على خرقها وتجاوزها، وإرساء “بنود” جديدة فيها، كان أبرزها على الاطلاق، إقدامها المستمر والمتواصل على إغتيال كبار القادة العسكريين في “حزب الله”.
وتسعى إسرائيل إلى كسر الهرمية القيادية والهيكلية لدى “حزب الله” باغتيال قادته في عمليات رصد دقيقة، فالحرب التي لم تصل إلى أوجها بعد، تظهر تكتيكاً إسرائيلياً يهدف إلى كسر الهرمية القيادية وهيكلية الحزب، ما يتسبب، بحسب حسابات إسرائيل، في خلل بتنفيذ العمليات وإعطاء أوامرها وتعليماتها.
واستهدفت إسرائيل بصورة ممنهجة خلال الأشهر الأخيرة قادة بارزين في الحزب من قائد قوة “الرضوان” وسام الطويل، إلى مسؤول وحدة “نصر” طالب عبد الله، إلى مسؤول وحدة “عزيز” محمد نعمة ناصر، وصولاً إلى ميثم العطار المسؤول في منظومة الدفاع الجوي، وغيرهم من القياديين والكوادر، الذين يتبوؤون مسؤوليات ومهام عسكرية وميدانية متقدمة وطليعية في الحزب.
لا شك في أن ضربات إسرائيل تأتي قاسية على “حزب الله”، وهو ما لا ينفيه الأمين العام للحزب نفسه، إلا أن خياراته محدودة جداً، فهو من جهة يفشل في تحصين قياداته والتمويه ومنع الخرق الأمني في صفوفه، ومن جهة أخرى غير قادر على الرد بالمثل تجاه الاسرائيليين لعدم الانزلاق إلى حرب شاملة وحرب تصفيات، بحيث أن الحزب لا يزال يرد على العمليات الحربية الاسرائيلية والاغتيالات بصورة محدودة، وتحت السقف المتفق عليه بين واشنطن وطهران، إذ ان نطاق قصفه بالصواريخ والمسيرات لا يزال يقتصر على المواقع وأجهزة التجسس والمصانع العسكرية بصورة رئيسية، من دون اللجوء إلى ما يملك من ترسانة عسكرية قادرة على أن تستهدف ما هو أبعد من نطاق عملياته الحالية، اذ تؤكد مصادره أن تكتيكه الراهن يقوم على ردع جيش العدو عن الإقدام على شن حرب واسعة وشاملة، لأن لا نية للحزب فيها، لإدراكه أن كلفتها الباهظة ستكون كارثية على لبنان واللبنانيين، غير القادرين على تحمل نتائجها في ظل الظروف المأساوية التي يعيشونها، خصوصاً وأن الظروف المحلية والاقليمية مختلفة تماماً عما كانت عليه خلال حرب تموز 2006.
إستناداً إلى ذلك، لم تعد المواجهات بين الحزب وإسرائيل، مجرد مناوشات لتخفيف الضغط العسكري على غزة، بل باتت حرباً بتكتيكات عسكرية غير تقليدية من الجانبين.
تشير أوساط سياسية إلى أن “حزب الله” ينتظر ما ستؤول إليه مفاوضات غزة قبل إعطاء أي موقف مما سيقوم به في حال بلوغ هدنة، وإن كان هذا الموقف معلناً مسبقاً وهو التماثل والتوازي في التهدئة.
والملاحظ أن الحزب في الآونة الأخيرة كان يحرص على التأكيد أن هجماته هي انتقام لتصفية إسرائيل كبار قادته العسكريين ولا أثر يذكر للرد على هجمات الاسرائيليين على غزة وقتلهم المزيد من الأبرياء، وهي رسالة إلى إسرائيل والوسطاء الاقليميين والدوليين، الذين يتحركون لإنهاء التصعيد على الجبهة اللبنانية يفيد مضمونها بأن الحزب يريد التهدئة ومستعد لها.
ولم يعد أحد من قادة “حزب الله” يتكلم عن وحدة الساحات وربط التهدئة مع إسرائيل بوقف التصعيد ضد “حماس”، والربط الوحيد الذي رشح هو إعلان نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم، أن الهدنة في غزة ستعني هدنة في جنوب لبنان أيضاً.
لكن إمعان العدو الاسرائيلي وإصراره على إغتيال قادة “حزب الله” الميدانيين، يبقي موقفه غامضاً بشأن إنسحاب هدنة غزة على جبهة الجنوب، وما إذا كان سيسلم بها ما لم يحصل على ضمانات بأن ثمة ولو استعداداً (وإن بالأحرف الأولى) للبحث في ترتيبات تتصل بـ “اليوم التالي” في لبنان، مع تمسكه بالمنطقة “الآمنة” (الخالية من قوة الرضوان) وتفعيل عمل “اليونيفيل” وتوسيع دور الجيش اللبناني وإنتشاره وزيادة عدده وعديده.