لم تؤتِ الجهود المبذولة حتى الآن لخفض التصعيد بين “حزب الله” وإسرائيل أكلها، على الرغم من الحديث عن تبريد داخلي بمسعى دولي في الساحة اللبنانية لجهة عدم رفع سقوف المواجهة بين الطرفين. ففي حين كان الجميع ينتظرون ردّ اسرائيل على قبول “حماس” ببدء تنفيذ الخطة الأميركية من دون التزام تل أبيب أولاً بوقف دائم لإطلاق النار قبل توقيع اتفاق وترك هذه النقطة لمفاوضات المرحلة الأولى التي تستمر 6 أسابيع، فإنّ غبار التصعيد الاسرائيلي إستمر في غزة، كما على جبهة لبنان، حيث كاد أن يطغى على الضبابية التي لا تزال تلفّ مصير الهدنة المفترَضة.
وتأكيداً على ذلك، إضافة الى المواجهات المستمرة، تستمر إسرائيل في عمليات إغتيال القادة الميدانيين لـ “حزب الله”. فبعد اغتيال القيادي في الحزب محمد نعمه ناصر، (بهدف صرف الأنظار عن اجتماعات باريس بشأن لبنان وعدم تحقيق أي تقدم في المساعي الهادفة الى تخفيف التوتر)، أقدمت إسرائيل مجدداً على إغتيال القيادي في “حزب الله” أبو الفضل كرنبش، الذي كان سابقاً أحد مرافقي الأمين العام لـ “حزب الله” حسن نصر الله، بقصف نفذته مسيّرة استهدفت سيارة قرب حاجز للفرقة الرابعة في ريف دمشق. ليرد “حزب الله” بنشر الجزء الثاني من الفيديو الذي التقطته طائرة التجسس التابعة له “الهدهد”، وبلغت مدته حوالي 10 دقائق، ويظهر مواقع حساسة في إسرائيل، ومشاهد جوية لمدينة حيفا، منها لمجمع الصناعات العسكرية لشركة “رافائيل” ومنطقة الميناء التي تضم قاعدة حيفا العسكرية وميناء حيفا المدني ومحطة الكهرباء ومطار حيفا وخزانات نفط ومنشآت بتروكيميائية، كما ظهر مبنى قيادة وحدة الغواصات وسفينة “ساعر 4.5” المخصصة للدعم اللوجيستي وسفينة “ساعر 5”. كذلك، أظهر الفيديو مقرات وقواعد عسكرية في الجولان المحتل، كمحطة التلفريك السفلية حيث استقرت قوات لجيش الاحتلال هناك خلال عملية “طوفان الأقصى”، وموقع “حبوشيت” وهو موقع تأمين حدودي تشغله سرية مركبة مشاة ومدرعات، كذلك ثكنة “معاليه غولاني” التي تعتبر مقر القيادة الاقليمية للواء 810 ومقر قيادة قطاع كتائبي حدودي في حرمون.
وهذا ما يؤكد، أن الحزب، مقابل مسلسل إغتيال قادته، اتخذ مساراً للرد يتمثل في استغلاله الفرص لإظهار قدراته العسكرية، لا سيما بالمسيّرات والصواريخ، والاستخدامات العسكرية والاستطلاعية المختلفة. إذ يبدو أقله حتى الساعة، أن تبريد جبهة الجنوب بعيد المنال، خصوصاً مع ما يتم تداوله عن أن القرار 1701 بات يحتاج إلى تعديلات، تراعي المتغيرات الميدانية في الأشهر التسعة الماضية وذلك بما يتوازى مع مآل مراحل اتفاق غزة، ما يعني عدم العودة إلى ما كان عليه الوضع عشية عملية “طوفان الأقصى”. ومن المؤكد أن “حزب الله” لن يخضع لأي ضغوط للقبول بتحديثات على القرار الأممي، وتحديداً بشأن تراجعه عن الحدود بما بين 8 و10 كيلومترات، كضمانة لعودة المستوطنين إلى الشمال، إذ تؤكد مصادره أن لا ترتيبات نهائية ولا بالأحرف الأولى تحت الضغط والتهديد بضربة واسعة قبل انتقال حرب غزة إلى مرحلة الطيّ الأخير، لأن ذلك سيعني سقوط قاعدته الثابتة المتمثلة في أن مصير جبهة الجنوب مرتبط عضوياً بوقف حرب الإبادة المستمرة على غزة.
هذه التطورات تشي بأن المشهد الجنوبي أمام قواعد إشتباك جديدة سيكرّسها الميدان والقنوات الديبلوماسية بصورة متوازنة، بحيث أن كلاً من إسرائيل والحزب يسعيان الى تثبيت معادلات قوة خاصة بهما، إذ ان إسرائيل ستلجأ إلى تطوير “الحرب الذكية”، من خلال التركيز على إستهداف قادة الحزب ومواقعه وترسانته، من دون الإضطرار إلى اللجوء للحرب الشاملة، وبالتالي إستهداف المدنيين والبنى التحية، حاصرة المواجهات ضمن نطاقها العسكري. وفي المقابل، فإن “حزب الله” لجأ إلى التكتيك العسكري نفسه، ملتزماً بقواعد الاشتباك المعمول بها، مع الاضطرار للجوء الى التوسع التدريجي تبعاً لتوسع العدو الاسرائيلي وتماديه في عملياته ضده.
إذاً، الجنوب أمام تكريس قواعد إشتباك جديدة، قد تكون بمثابة ملحق للقرار 1701، مع الرهان على أن يتمكن الموفد الأميركي آموس هوكشتاين من حمل النسائم الباردة في إطار مهمته الشائكة للتبريد التدريجي على جبهة الجونب، وإن على مراحل و”بالمفرق”، بدلاً من اللهيب الحارق لما تبقى من أشهر الصيف الحار.