منزلق جديد: حروب ناقلات النفط!

رامي الريّس

لطالما دفع لبنان الأثمان الباهظة نتيجة إقحامه في سياسة المحاور وذلك من خلال الإصرار على الإخلال بموازين القوى الداخليّة بما هو انعكاس لتلك المحاور التي لم يتوانَ البعض من مكوناتها عن استباحة البلاد واستخدامها كساحةٍ لتصفية صراعاتها مع الأطراف الأخرى.

وبعد نجاحٍ قسري ومرحلي ونسبي في الابتداع اللبناني المسمّى “النأي بالنفس”، حُطمّت هذه المعادلة التي كانت تحفظ جانباً من الاستقرار، ولو كان هشّاً ومعرّضاً للاهتزاز، وإستُبدلت بمعادلات أخرى لا تركن سوى إلى المصالح المباشرة لمكونات معيّنة معروفة بعمق ارتباطاتها بأجندات إقليميّة، لا بل مفاخرتها بالانتماء إلى تلك المحاور.

لا يحتمل لبنان جرّه نحو معادلات ردعٍ جديدة لا تكون الدولة اللبنانيّة طرفاً فيها، إن لم تكن الطرف الوحيد كما تقتضي الأصول والقوانين والأعراف، وكما تشير وظائف السيادة التي يُفترض أن تحتكرها الدولة وحدها دون شريك لها.

ليس ثمّة خلاف على أن إسرائيل هي العدو التاريخي للبنان، وأنّها تكتنز في نظامها وثقافتها ومنظومتها القائمة على العنصريّة والآحاديّة الكثير من اعتبارات الحقد والكراهيّة ضد لبنان بتنوّعه وديمقراطيته (ولو أنها مشوّهة بفعل مرتكزاتها الطائفيّة والمذهبيّة)، وأنها – كما دلت كل التجارب التاريخيّة المعاصرة – مستعدة للانقضاض على هذه التجربة بغية إعادتها سنواتٍ إلى الوراء. وهو ما فعلته في اعتداءاتها المتكررة على لبنان خلال العقود الماضية (وهي مستمرة بصورة شبه يوميّة – بالمناسبة – من خلال الانتهاكات الجويّة والبريّة والبحريّة ولو بوتيرة خفيفة قياساً إلى الحروب المدمرة السابقة).

لذلك، فإن أي كلام سياسي هدفه الرئيسي البحث المعمق في كيفيّة تحصين لبنان مستقبلاً من أي اعتداءات إسرائيليّة، لا يُصنّف في خانة الخيانة والعمالة، وهو المنطق (عمليّاً اللامنطق) الأحب على قلب جماعة محور الممانعة. الهدف الفعلي هو البحث في كيفيّة تثبيت قدرة لبنان على ألا يكون فريسة لإسرائيل مرّة جديدة، وهذا لا يتحقق إلا من خلال تتويج تجارب وخبرات المقاومة في إطار المؤسسات الرسميّة.

إستعادة النقاش المنتظر في الخطة الدفاعيّة بات مسألة ملحة ومركزيّة، ليس من باب “الزكزكة” السياسيّة، إنما من باب التأكيد على أهميّة تحصين لبنان، كل لبنان، تجاه إسرائيل؛ ومن باب رفض اختطاف القرار السياسي اللبناني نحو خيارات استراتيجيّة جديدة لا تتلاءم مع واقعه وقدراته وإمكانياته، ولا تتماشى حتماً مع طموحات الغالبيّة الساحقة من أبنائه.

لقد سبق أن وعد رئيس الجمهوريّة ميشال عون بفتح النقاش حول الخطة الدفاعيّة بعد إجراء الانتخابات النيابيّة 2018. طبعاً، هذا الأمر لم يتحقق، بل على العكس تماماً، إذ أن الهامش السياسي والاعلامي والميداني الذي كان مرسوماً بصعوبة بين الدولة والمقاومة ويحفظ شيئاً من القدرة على المناورة السياسيّة تلاشى تماماً.

هل التطابق بين الخطاب الرسمي وخطابات أطراف سياسيّة معيّنة يصب في مصلحة لبنان حقاً؟ وهل إقحام لبنان في حروب السفن والبحار وناقلات النفط يصب فعلاً في مصلحة البلاد ومستقبلها الذي أساساً تحوم حوله مئات علامات الاستفهام نتيجة التدهور الاقتصادي والاجتماعي والمعيشي.

التطورات السياسيّة الأخيرة تشي بأن لبنان سيكون مرّة جديدة ملعباً لتصفية النزاعات الإقليميّة. اللاعبون الإقليميّون يجيدون اللعب على أرض سواهم وبلاعبين محليين من أهل تلك الأرض. المهم ألا تُمسّ الأرض- الأم. إنه التسديد من جيوب الآخرين!

شارك المقال