يبدو للأسف أن الخناق بدأ يضيق أكثر فأكثر ويوماً بعد يوم حول عنق الشعب الفلسطيني في غزة بحيث باتت الحياة مستحيلة في القطاع بعد حوالي عشرة أشهر من المحرقة الهمجية – ولا نقول الحرب لأن للحرب قوانينها – التي يتعرض لها هذا الشعب المظلوم والصابر والشجاع. فالمفاوضات على ما يبدو باتت تخاض بدمه المسفوح وبقوة المجازر المرتكبة ضده والمتعددة يومياً، وأوراق الضغط بيد بنيامين نتنياهو وعصابته الصهيونية باتت أكبر منها في يد “حماس”، فإذا كانت هذه الأخيرة تحتفظ بورقة 120 أسيراً صهيونياً، فإن نتنياهو وللأسف يحتفظ بورقة مليون وثمانمائة ألف فلسطيني يتخذهم كرهائن وينكل بهم قتلاً وجوعاً ودماراً.
وإذا كانت غزة تستقطب وتحظى بالتعاطف الشعبي الدولي، فإن نتنياهو بيده للأسف الشديد ورقة التجاهل وتبلد الاحساس الدولي الرسمي تجاه ما يحدث من إبادة منظمة للشعب الفلسطيني منذ عشرة أشهر، هي مدة المحرقة المستمرة والتي لا يعرف نهايتها إلا الله، بحيث لم يعد من أمل يرتجى من هذا المجتمع الدولي ولو “بدها تشتي غيَّمت” على ما يقول المثل الشعبي.
وإذا كانت “حماس” وفصائل المقاومة تمتلكان قوة الصمود وإرادة القتال، فإن نتنياهو وجيشه المجرم يمتلكان قوة التدمير وإرادة القتل والتهجير، ما بات يطرح السؤال من منطلق أخلاقي وإنساني بحت وحتى سياسي: ألم يحن الوقت بعد للبحث عن حل سريع يضمن ترتيبات بخصوص اليوم التالي للحرب ولو على حساب سلطة “حماس” أو حتى من دونها، وهو ما قد يكون عن طريق فرض ترتيبات دولية أو دولية – عربية مشتركة مؤقتة على القطاع مدعومة بقوات حفظ سلام من دول لا مصالح سياسية مباشرة لها، بحيث تضمن بقاء الناس في أرضها وإعادة الإعمار وتضميد جراح الناس الجسدية والنفسية والمعنوية وبأقصى سرعة ممكنة؟ فكما هو واضح أن قطاع غزة بات مكاناً غير صالح للعيش الآدمي من حيث فقدان الخدمات من معيشية وصحية وتعليمية، لذلك يحتاج الى جهد خرافي غير عادي لن تكون أي سلطة محلية قادرة على القيام به، كما من الواضح أن ما بعد 7 أكتوبر لن يكون كما قبله وعلى كل المستويات.
لا نقول هذا الكلام إنطلاقاً من إنهزامية أو إستسلام كما قد يتهمنا البعض أو يتخيل، بل ننطلق من ألم يعتصر القلوب وحزن تختزنه العيون وغضب يربض على الضمائر يؤنبها، وإحساساً بالمسؤولية الانسانية والأخلاقية تجاه الناس التي لم يستشرها أحد في طريقة معالجة أمورها، والتي بلا شك تريد الحرية لأرضها ولنفسها ولهذا كانت ولا تزال وستبقى تقاوم الحصار الجائر ومحاولات التهجير والإبادة عبر التمسك بأرضها وتحمُّل شظف العيش وصعوبته، إلا أنها بالتأكيد لا تريد الإنتحار بإسم المقاومة أو تحت أي شعار كان بغض النظر عن النوايا، فالطريق إلى جهنم معبَّد بالنوايا الحسنة كما يقول المثل الفرنسي، ولا يكفي أن يكون المرء مخلصاً وسليم النية كي يكون في الطريق السليم والصحيح لتحقيق أهدافه خصوصاً عندما يتعلق الأمر بمستقبل شعب كامل وليس أفراداً محدودي العدد.
من هنا نقول ان من هو على إستعداد للتضحية بنفسه فداءً للوطن والشعب كما يقول، يجب أو يُفترَض أن لا يبخل بسلطة أو مكانة ولو بصورة مؤقتة ومرحلية في سبيل هذا الشعب الذي أحسن حمايته وشكل له بيئة آمنة على مدى سنوات، وضحّى بالغالي والنفيس من أنفُسٍ وممتلكات ولم يبخل بشيء في سبيل معركة الحرية والكرامة، لذلك نجد لزاماً علينا طرح السؤال بصورة صريحة ومباشرة عن أيهما أهم في هذه الظروف الصعبة والخطيرة والمفصلية في تاريخ الشعب الفلسطيني هل هو مصير “حماس” أم مصير الناس؟ فهل من لديه جرأة الجواب والقرار؟