حين تُجرِّب المُجرَّب

الراجح
الراجح

وما أشبه الحالة التي نعيشها اليوم بزمن الحرب الأهلية وبنهايتها العونية، حيث ومع تردي الخدمات العامة للدولة، تكيّف اللبنانيون مع كل أنواع التقنين في الماء والكهرباء والوقود. فراجت ظاهرة الإضاءة بالشموع والسراج القديم (القنديل) والبطاريات النقالة ثم بمصابيح الغاز، وبعد ذلك بواسطة المولدات الكهربائية الخاصة، وأخيراً المولدات الضخمة التي تغذّي المشتركين في الحي الواحد. كان انقطاع الكهرباء من أسوأ ما واجهه اللبنانيون خلال الحرب. فأضحى معظم لبنان دون كهرباء لمدة عام وبين عامي 1986-1989 فرض التقنين الذي لامس كل لبنان تقريباً.

6 ساعات كهرباء يومياً. واثناء دورات القتال عام 1989 “زمن الجنرال العظيم وحربه التحريرية” كانت الكهرباء تصل الى السكان بمعدل ساعة واحدة كل يوم أو ربما كل يومين. هذا التبدل في لبنان وفي بيروت بشكل خاص حوّلها من مدينة مضيئة تتوافر فيها الخدمات على أنواعها إلى مدينة مظلمة تفتقر إلى الكهرباء والماء والسلع الحياتية الضرورية ما دفع بمراسل “رويترز” إلى وصف حالها على الشكل التالي: “الشموع المتراقصة، مصابيح الغاز الوهاجة باتت من مظاهر بيروت الليلية المألوفة… ثمة مظهر مألوف ثان، هو مشاهدة عشرات الناس يحملون الدلاء لملء المياه من بئر ارتوازية أو من أنابيب الماء المكسورة… لقد أصبحت الحياة صعبة وشبه مستحيلة لافتقار البلد إلى الكهرباء والنقص في المياه وأصبحت المواد الأساسية بما في ذلك اللحوم والخبز والخضار غالية الثمن… وقد توقف العمل في أفران كثيرة نظراً لانقطاع التيار الكهربائي” (وليس المازوت والكهرباء كما هو الحال اليوم).

ولا يجب أن ننسى أنه اثناء “حرب التحرير” قامت حكومة عون بقطع الماء والكهرباء عن بيروت بقصد ابتزاز حكومة الرئيس الحص عبر تعطيش السكان الأبرياء، إضافة إلى ذلك أثّر انقطاع الكهرباء في الصحة العامة كما في الحالة النفسية للمواطنين بسبب المولدات وما سببته من تلوث بيئي ما ترك أثراً مدمراً في أصحاب أمراض الرئة والحساسية…

ولا يجب أن ننسى أيضاً أنه في العام 1989 وأثناء حكم “الجنرال” أقرت الحكومة زيادة على الأجور وبمعدل رجعي جاعلة بذلك الحد الأدنى للأجر 45 ألف ليرة لبنانية أي ما يوازي 110 دولارات أميركية في حينه. لكن أدى انهيار سعر صرف الليرة تجاه الدولار بعد إقرار الزيادة وبالتزامن مع انشطار المؤسسات الرسمية إلى هبوط هذا الحد، فلم يعد بإمكان أصحاب الحد الأدنى للأجور تغطية نفقاتهم الشهرية الضرورية كما أكدت تقارير مصرف لبنان، و”غرفة التجارة والصناعة” بعد التآكل والانهيار الذي حل بأصحاب الرواتب وخصوصاً الدنيا منها.

هذا ما كان عليه لبنان أثناء الحرب الأهلية والتي كانت أسوأ مراحلها حكم الجنرال أي من عام 1989 إلى العام 1992… بعد هذا العرض التذكيري نذهب إلى الوعد بتسليم لبنان أفضل حالاً مما استلمه الجنرال وللمرة الثانية، فما الذي حصل غير العودة إلى سنوات الحرب البائسة مع إضافة واحدة لما كان من صعوبات وهو افتقاد الدواء والخدمات الصحية واللائحة تطول.

فرحمةً بالجمهورية ومواطنيها ورحمة بالتاريخ توقف يا جنرال انت وجماعتك ومَن لف لفكم من حلفاء عن الحديث عن السنوات الثلاثين وعن الأزمة التي ورثتموها بسبب الحريرية السياسية.

انتم خارقون لأنكم الوحيدون الذين نقلتم الزمن من عام 1989 الى 2016 وبإلغاء ما بينهما.

وكما تذكرنا تلك المرحلة فلن ننسى كيف انتهت برحيل “الجنرال”.

شارك المقال