“حزب الله” يدخل سوق النفط وسط التداعيات السياسية للمازوت الإيراني

وليد شقير
وليد شقير

كان من الطبيعي أن يرجح الاعتقاد بأن الولايات المتحدة الأميركية تحركت من أجل استثناء نقل الكهرباء من الأردن عبر سوريا إلى لبنان، بعد شراء الغاز المصري لمحطات الطاقة الأردنية، من العقوبات الأميركية المفروضة على النظام السوري، على أنه ردة فعل من واشنطن على تحرك “حزب الله” لتأمين المحروقات من إيران.

حتى بعض خصوم الحزب ومنهم المتوجسون من استقدامه المازوت الإيراني وانعكاساته السلبية على البلد، وفق إعلان أمينه العام السيد حسن نصر الله في إحياء ذكرى عاشوراء، كان تعليقهم الأولي بأن اتصال السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لإبلاغه بتحرك واشنطن لمساعدة لبنان على استجرار الكهرباء من الأردن، لم يخفوا انطباعهم بأن السفيرة تحركت حيال جدية العرض الذي سبق أن قدمه نصر الله باستيراد النفط الإيراني.

وعلى رغم أن معلومات بعض القيادات السياسية تفيد بأن التحرك الأميركي بدأ قبل أن يعلن نصر الله عن أن باخرة محملة بالمازوت للبنان ستبحر خلال ساعات من إيران، بأسابيع، فإن هذا لم يحل دون أن يقول نائب في تكتل “الجمهورية القوية” الذي يضم نواب حزب “القوات اللبنانية” الحليف للولايات المتحدة سيزار معلوف: “صح النوم تأخرت كثيراً”، تعليقاً على تحرك السفيرة شيا…

فمسألة استجرار الكهرباء من الأردن والغاز من مصر عبر سوريا إلى لبنان، وضرورة استثنائها من عقوبات وزارة الخزانة الأميركية، طرحها العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني مع الرئيس الأميركي جو بايدن حين التقاه في واشنطن في 19 تموز الماضي.

ومع أن النائب معلوف حرص على التأكيد أنه ليس من النوع الذي ينقل البارودة، بما يعني أنه لم يبدل قناعاته كحليف لـ”القوات” الذي ينتقد الحزب وسلاحه وهيمنته على قرار السلطة السياسية، فإن ما نطق به عبّر عن موقف شريحة من اللبنانيين والأوساط التي تنتقد خضوع لبنان للحصار من قبل دول غربية وعربية، على رغم تقديمها المساعدات الإنسانية للشعب اللبناني خصصت لها مؤتمرات عدة، مع إقرارها بأن سبب هذا الحصار سياسة “حزب الله” العدائية لتلك الدول. لكن قناعة قيادات وسياسيين معارضين للحزب أن العقوبات الأميركية والغربية على الحزب قادت فعلياً إلى حصار على الشعب اللبناني، الذي يحتاج أكثر من أي وقت للمساعدة، حتى لو كانت الطبقة السياسية وخضوعها لنفوذ الحزب، سبب مآسيه الحالية.

وبين هذه القيادات غير المنتمية إلى محور “الممانعة، من يتساءل منذ مدة: لماذا يشترط المجتمع الدولي وخصوصاً الولايات المتحدة الأميركية، على لبنان واللبنانيين القيام بالإصلاحات لتقديم المساعدة له في وقت لا تشترط واشنطن ذلك على تركيا التي تقدم لها مساعدات بقيمة 4 مليارات دولار أميركي؟ ولماذا يشكل هذا الشرط أساساً لمساعدة لبنان في وقت ينفق في العراق مليارات الدولارات من دون أن يطرح مسألة الفساد على الطبقة السياسية فيه، ويقدم للأردن أيضاً مساعدات مالية من دون حساب لمسألة الإصلاحات؟

عززت تداعيات الانسحاب الأميركي من أفغانستان هذه الانطباعات لدى هذه الشريحة من السياسيين اللبنانيين الذين يصنفون على أنهم أقرب إلى دول الغرب، بعدما شاع أن الولايات المتحدة تترك حلفاءها في العالم حين تقتضي مصالحها ذلك، وسط الترويج من قبل محور الممانعة بأن واشنطن تغدر بالقوى التي تتعاون معها، من دون أن يرف لها جفن، وبأنها قد تفعل ذلك مع اللبنانيين. فبعض القوى السيادية اللبنانية ما زال يأخذ في حسابه إمكان توصل الولايات المتحدة إلى اتفاق مع إيران على النووي في لحظة ما، يؤدي إلى رفع العقوبات عن الأخيرة في شكل يتيح لها استخدام مواردها المالية لترسيخ نفوذها الإقليمي وتدخلاتها في عدد من الدول ومنها لبنان، مثلما حصل عام 2015 في عهد باراك أوباما عندما أُنجز الاتفاق النووي في حينها، الذي عاد الرئيس السابق دونالد ترامب فانسحب منه، وتسعى إدارة جو بايدن إلى إعادة العمل به مع بعض التعديلات. هذا على رغم ما تشهده المفاوضات الأميركية الإيرانية من تعثر وتصعيد في الحالة الراهنة، ينعكسان على المنطقة برمتها.

إلا أن كل هذه الانطباعات والمخاوف لم تحجب واقع أن تصنيف نصر الله الباخرة التي تنقل المازوت الإيراني أرضاً لبنانية، مهدداً بالرد على اعتراضها من قبل الجانب الأميركي أو إسرائيل، وإعلان السفيرة الأميركية عن مساعدة لبنان لاستجرار الكهرباء من الإردن، أدخل لبنان في سياق الصراع الأميركي الإيراني المتصاعد. ويخشى بعض الأوساط من أن تجديد دينامية الفعل ورد الفعل في شأن إرسال طهران الباخرة، يعيد تذكير من ينسى بأن لبنان هو في الحد الأدنى، مسرحٌ لتبادل الرسائل بين واشنطن وطهران، مع إمكان انزلاق هذا الوضع إلى صدام ولو محدود بين “حزب الله” وإسرائيل على الجبهة اللبنانية الجنوبية. وهو أمر لا تستبعده بعض الكتابات العبرية.

ومهما كانت حجة الجانبين المتعلقة بمساعدة الشعب اللبناني وضمن خانة المساعدة الإنسانية وإنقاذ المستشفيات من العتمة الشاملة، وتفادي توقف المخابز…وغيرها من المآسي المنتظرة بسبب عجز الدولة اللبنانية الفاقدة لسلطة قادرة على تأمين الحاجات الأساسية البديهية، فإن لبنان على قاب قوسين من أن يكون أيضاً مسرحاً لتطورات جوهرية، تتعدى حجة تقديم المساعدات.

كما أن المواجهة الأميركية الإيرانية، التي رسم خريطتها نصر الله في خطابه الخميس الماضي تحت عنوان إخراج أميركا من المنطقة، من العراق إلى اليمن وسوريا والبحرين، (بعد أفغانستان) أدخلت الوضع الكارثي الذي يمر به لبنان في سياق تعقيدات لا تحصى، منها أنه إذا نفذت الولايات المتحدة إجراءات إعفاء استجرار الكهرباء من الأردن عبر سوريا من عقوبات قانون “قيصر” على النظام السوري، لمرور التيار عبرها، فإن دمشق لن تقبل بذلك إلا مقابل حصولها على ثمن ما من الجانب الأميركي الذي يفرض مع الدول الأوروبية حصاراً على نظام دمشق أيضاً… وهذا يحتاج تنسيقاً أميركيا روسياً على الأرجح لتحييد شروط النظام السوري…

وفي هذا السياق تسجل أوساط سياسية جملة ملاحظات وأسئلة:

  • أن “حزب الله” يكون دخل قطاع الطاقة اللبناني من الباب الإنساني، تجارياً، وذلك بعد ما تسرب من أوساط متصلة بطهران، عن أن تمويل استيراد المازوت الإيراني تم عن طريق تجار لبنانيين، (مقربين من الحزب) في وقت أخذ نصر الله في خطبه الأخيرة يركز على “المحتكرين”. ودخول الحزب قطاع الطاقة، بأسعار تنافسية لأنها ستكون أدنى من سعر المحروقات غير المدعوم طالما سيرفع الدعم، يفترض إخراج بعض هؤلاء التجار منه أو تقليص حصتهم. والمعلوم أن هؤلاء التجار يمثلون فرقاء سياسيين نافذين أولهم حليف الحزب “التيار الوطني الحر”.
  • أن الدخول الإيراني على سوق النفط اللبناني يرتّب تداعيات على أدوار القوى الدولية المعنية بهذا السوق ولا سيما تلك التي التزمت التنقيب عن الغاز والنفط فيه، أي فرنسا (توتال) وإيطاليا (إيني) وروسيا (نوفاتيك). لكنه يرتب أيضاً تداعيات سياسية على المبادرات الدولية حيال معالجة الأزمة اللبنانية تطال المبادرة الفرنسية والتي باتت أوروبية مدعومة أميركياً.
  • أن إدخال الباخرة التي تحتاج إلى ما بين 10 و12 يوماً للوصول إلى الشواطئ القريبة، عن طريق أحد الموانئ اللبنانية (الزهراني)، بوجود حكومة جديدة أو بغير حكومة، يعني الإفادة من الأجواء الراهنة في المنطقة بعد تطورات أفغانستان، من أجل مصادرة القرار اللبناني بالكامل لمصلحة إيران. أما إذا رست في ميناء بانياس السوري كما تردد، ومن دون اعتراض لها، سيكون له حساب آخر على طريق تلمس طهران طريق ممارسة نفوذها في لبنان وسوريا معاً. فلهذا الأمر حسابات في العلاقة مع روسيا…

هذا بعض من الانطباعات والأسئلة التي يطرحها استيراد النفط الإيراني والتي ستلقي بثقلها على المسرح السياسي والنفطي اللبناني في قابل الأيام وتحتاج إلى رصد مفاعيلها المستقبلية.

شارك المقال