سلط مقال نشر على موقع صحيفة “واشنطن بوست” (WashingtonPost) الأميركية، الضوء على الجدال في الداخل الأميركي حول حلّ الحكومة الأفغانية وبسط طالبان سلطتها على البلاد. وركز المقال الموقع باسم الكاتب بول وولدمان، على القراءات الإعلامية المغلوطة والتي غالباً ما تصب في خانة تحميل الرئيس الأميركي جو بايدن مسؤولية عودة طالبان والفوضى الحالّة في أفغانستان”.
وبحسب المقال، “في الوقت الذي شاهدنا فيه الانهيار السريع للحكومة الأفغانية، واستيلاء طالبان على البلاد في ظل الجهود اليائسة التي يبذلها الكثير من الأفغان للفرار من البلاد، تمحورت التحليلات في وسائل الإعلام الأميركية حول ردود فعل المخطئين حول أفغانستان ومقيمي الوضع الحالي من جنرالات متقاعدين أو مسؤولين سابقين من إدارات الرؤساء السابقين، بوش وأوباما وترامب الذين يتحملون في كثير من الحالات، المسؤولية المباشرة عن أخطاء العقدين الماضيين، أو النقاد المتحمسين لحرب مع سجل بلا شائبة. وها نحن نستمع الآن لنفس الأشخاص الذين أخبرونا قبل عقدين من الزمن عن حجم هذه الحروب، وأمضوا سنوات يحاججون بأن النصر كان قاب قوسين أو أدنى، وهم يشرحون كيف يتحمل شخص آخر مسؤولية ما آل إليه الوضع في أفغانستان.
وفي إطار الجدال الدائر حول ما يصنف إعلامياً كأعظم فشل “للرئيس جو بايدن”، قلما يسمع اسم جورج بوش، لا بل وقد لا يذكر تماماً، وهو الذي أخذنا إلى أفغانستان والذي يتحمل مسؤولية نشر الفوضى بسبب سعيه لنشر الديمقراطية تحت تهديد السلاح (…) في الواقع، يجب أن تغوص عميقاً للغاية لتجد أي اعتراض على الحرب ضد أفغانستان عند اندلاعها. ولكن إن أردت أن تسمع مسؤولاً سابقاً في إدارة بوش يحاور مسؤولاً سابقاً في الإدارة نفسها حول الفوضى التي سببها بايدن، فستجد الكثير من المقابلات على التلفاز. هذا الأمر ليس بجديد. لا بل ولقد أصبح في الواقع، ميزة للحوار حول طالبان في هذه الفترة.
وبالعودة إلى أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وصف أولئك الذين كانوا مخطئين بشأن العراق بالجادين للغاية وعوملوا باحترام وتقدير كبيرين، ببساطة لأن حوارهم استند للحكمة التقليدية ولأن وسائل الإعلام وواشنطن بشكل عام، تعاطت مع مواقفهم على أنها عقلانية. وفي المقابل، عومل الأشخاص الذين صدقوا بشأن العراق، والذين قالوا إنه لا يوجد دليل دامغ على امتلاك صدام حسين لأسلحة دمار شامل، أو على تعاونه مع القاعدة أو على سعيه لمهاجمة الولايات المتحدة، على أنهم سخيفون وغير جادين وغير جديرين بالانصات إليهم.
واستمر في ذلك الوقت وحتى اليوم، تهميش الأشخاص الذين يُفترض أنهم غير جديين وتعرضوا للتجاهل حتى بعد أن أثبتت الأحداث أنهم على حق. ولا يتعلق الأمر فقط بمن سيحصل على مكان على منصة النقاش، بل إن القضية ترتبط أصلاً بماهية حدود هذا النقاش. بحسب مات دوس، خبير السياسة الخارجية ومستشار السناتور بيرني ساندرز، يتشكل النقاش منذ البداية، من خلال “تأطير تدخلي عام متشدد” يجد دائماً أن لنشر القوة العسكرية الأميركية في الخارج مبرراته وأن هذه العملية ستحقق أهدافها على الأرجح. أما إذا ساءت الأمور، فيجب ربط ذلك بفشل في التخطيط أو التنفيذ، أو حتى المراهنة على إلصاق المسؤولية ببايدن، خصوصاً إذا استضاف المحاور مسؤولاً من إدارة بوش أو أوباما أو ترامب في برنامج ما وطرح السؤال حول المسؤول عن الخطأ.
علام يدل هذا الجدال؟ بادئ ذي بدء، هو يظهر حقيقة أننا أمضينا 20 عامًا في محاولة إنشاء ودعم الحكومة الأفغانية، التي ظلت تعاني من الفساد لدرجة أنها لم تكتسب الشرعية من سكان البلاد. في هذا السياق، توضح إحدى برقيات وزارة الخارجية الأميركية التي تعود للعام 2010، نقلاً عن مسؤول أفغاني كبير قوله إن “الفساد ليس مجرد مشكلة لنظام الحكم في أفغانستان.. المشكلة هي نظام الحكم”. ويتضح ذلك جلياً وبشكل مرعب في تقرير للمفتش العام حول إعادة إعمار أفغانستان.
وتجد المشكلة جذوراً أعمق بكثير. بحسب دوس، “يلجأ البعض للتركيز على إخفاقات الحكومة الأفغانية للتفلت من المأزق. عندما نتحدث عن الفساد، فإن أكبر المستفيدين هي الشركات الأميركية متعددة الجنسيات”. وفي الواقع، أظهر تقرير حكومي حديث آخر، عن انفاق ما يقرب من 100 مليار دولار على متعاقدين من القطاع الخاص في أفغانستان، بين عامي 2011 و 2019. فهل يعتقد أحدهم أن الشركات التي كانت تستغل ذلك لمدة 20 عامًا حريصة على إنهاء مشاركة الولايات المتحدة؟ وألا يمكن التشكيك بآراء الأشخاص الذين يخدمون في مجالس إدارة تلك الشركات؟ تشهد أفغانستان حالياً، اندفاعاً نحو المساءلة عن الإخفاقات في أفغانستان، ولكن الأمور تنحصر فقط، على ما يبدو، بربط الفشل بإدارة بايدن. والدافع قوي لدرجة أن ثلاث لجان منفصلة في مجلس الشيوخ بقيادة الديمقراطيين تستعد للتحقيق في أخطاء الإدارة.
ويأتي ذلك في ظل عدم مقاضاة أحد على سياسة التعذيب التي انتهجتها إدارة بوش، أو على كارثة العراق. وبدلاً من ذلك، يتم التعامل مع أولئك المسؤولين عن أسوأ إخفاقات السياسة الخارجية الأميركية الأخلاقية والعملية كما لو أنهم يمتلكون حكمة وبصيرة عظيمة ينبغي للجميع التوقف عندها. أخيراً، عندما خاض باراك أوباما حملته الانتخابية للرئاسة في العام 2008، علق على الوضع في العراق قائلاً: “أنا لا أريد الاكتفاء بإنهاء الحرب، بل إنهاء العقلية التي أوصلتنا إلى الحرب”. لم تؤت إدارته لهذا الملف ثمارها، واستنادًا للطريقة التي نتحدث بها عن أفغانستان، يبدو أننا ما زلنا في قبضة هذه العقلية”.
المصدر: washington post