لغز وصول النفط العراقي… بين تضارب المواعيد وتصرّفات المسؤولين! 

فدى مكداشي
فدى مكداشي

ما بين “هبة” الفيول العراقية للبنان ووزارة الطاقة اللبنانية، عقد يحتاج إلى هيئة تشريعية لتفسيره وتحديد آليات تنفيذه. بعد انقضاء شهر كامل على توقيع العقد المتضمن تزويد لبنان بـ500 ألف طن من الفيول الثقيل و500 ألف طن مقابل خدمات طبية وبشرية، تقوم وزارة الطاقة اللبنانية باجتراح معجزات وتفصيل مبررات لكيفية هدم تنفيذ العقد حتى تاريخه. فعلى الرغم من أن لبنان يغرق في الظلام والكهرباء باتت مثل العملة النادرة، تُطل رئاسة الجمهورية اللبنانية علينا ببيان تعلن فيه أن التأخير الحاصل بقبول الهبة العراقية سببه فقدان الآليات التنفيذية ضمن العقد. وكأن الأمر مناط بسلطة باتت عاجزة عن تفسير وتوضيح بنود عقد موقع مع دولة أخرى.

مضامين الاتفاقية

وعن تفاصيل هذه الاتفاقية، يوضح الخبير المالي والاقتصادي الدكتور بلال علامة أن “الاتفاق كان من الجانب العراقي على نصف مليون طن من الفيول الثقيل كهبة للشعب اللبناني. ونتيجة المفاوضات بين الجانبين العراقي واللبناني، عُدّل الاتفاق أواخر الشهر السادس ليصبح مليون طن موزعة بين ٥٠٠ ألف طن الهبة التي أقرّت سابقاً و٥٠٠ ألف طن مدفوعة الثمن بالليرة اللبنانية لكون لبنان لا يستطيع الدفع والتحويل بالعملات الأجنبية. ولكون الجانب اللبناني يريد الدفع بالليرة اللبنانية، فقد وافق الجانب العراقي على استيفاء الثمن كخدمات استشفائية وطبّية وجامعية ومصرفية وهذا ما أعلنه وزير المال العراقي علي العلاوي. ويُعتبر العقد بالصيغة المتّفق عليها متناسباً جداً مع مطالب الجانبين”.

وفي هذا الإطار، يشير مدير عام الاستثمار السابق في ​وزارة الطاقة والمياه غسان بيضون إلى أنه “في ظل تعثّر لبنان عن دفع مصاريف معالجة الفيول الثقيل وتحويله الى محروقات قابلة للاستعمال، فإن الكميات التي ستتسلمها الشركات ستعمد إلى تحويلها وتسليم لبنان حصّته من المحروقات المعالجة والتي يجب أن تكون أقل من الكميات المستلمة من الهبة العراقية”.

أسباب التأخير

وعلى الرغم من كل هذا، إلا أن العراقيل ظهرت تباعاً وأُخّرت تنفيذ العقد بحيث طُرحت أكثر من علامة استفهام حول الجانب الذي يقوم بالعرقلة. فالعراقيون يتّهمون الجانب اللبناني وتحديداً وزارة الطاقة لأنها تعمد إلى المماطلة والتأخير المقصود بالبدء بتسلم الدفعة الأولى من الهبة العراقية، لعدة أسباب أبرزها ما جاء على لسان وزير الطاقة اللبنانية في حكومة تصريف الأعمال ريمون غجر أنه بصدد إعداد مناقصة لتحديد شركة تستطيع تسلم النفط العراقي الثقيل ومعالجته تمهيداً لنقله إلى لبنان بطريقة تناسب المحطات.

وفي هذا السياق، يشير أستاذ العلاقات الدولية والباحث العراقي الدكتور هيثم نعمان الهيتي الى أن “عدداً كبيراً من المسؤولين العراقيين يحمّلون الجانب اللبناني قصّة التأخير كأشخاص متخصصين بالنفط والنقل مثل وزير النفط العراقي إحسان عبد الجبار، الذي ذكر أن لبنان عاجز عن تسديد نفقات هذه الصفقة في ظل أزمته المالية والاقتصادية”.

وعن أبرز العوامل التي تؤثّر في سرعة التنفيذ من الجانب اللبناني، يعتبر بيضون أن “كل مظاهر التأخير هي من أجل إيجاد فتوى أو صيغة جديدة لربح المناقصة، خصوصاً أن العراق كان قد حدد الشركات الأجنبية التي يمكنها أن تعالج مشكلة الكهرباء في لبنان بشكل فوري، إلا أن وزير الطاقة اللبناني بقي متمسكاً بالمناقصة”. وعما إذا كانت هذه التجربة ستُعاد كسابقاتها، يستذكر بيضون أن “الوزيرة ندى البستاني خلال ولايتها كانت قد قامت بفتح مناقصة تسمح باستيراد البنزين مباشرة من قبل وزارة الطاقة، وقد جاءت النتيجة لصالح شركة Zr Energy التي يملكها آل البساتنة والتي كانت موضوع شبهة في عقد شركة سوناتراك لتأمين المحروقات إلى لبنان”.

شرعية الاتفاقية؟

وعن مدى شرعية هذه الاتفاقية، لفت بيضون إلى أن “البيانات والتصريحات الأخيرة، بدءاً من وزير الطاقة الذي وعدنا الشهر الماضي بأن الكهرباء ستأتي خلال عشرة أيام ومن ثم تكلّم عن آلية للتعاون مع مصرف لبنان، ثم بيان رئاسة الجمهورية الذي ألمح إلى أن التأخير سببه انتظار ورود رأي هيئة التشريع والاستشارات”، معتبراً أن “الذي يتعارض مع هذا البيان والتفسير هو أن وزير الطاقة كان قد أعلن فتح باب المناقصات قريباً خلال أيام”، متسائلاً “كيف يتم السماح بإجراء مناقصة والاتفاقية تحتاج لإقرارها في مجلس النواب وأن تسير في مسارها القانوني”.

وعن سؤالنا لرئيس لجنة الاشغال العامة والنقل والطاقة والمياه النائب نزيه نجم حول التأخير الحاصل في تشريع العقد، اكتفى بالقول: “سألت وزير مال سابق، وقال لي لا تحتاج الى مشروع قانون لأنها لمرّة واحدة”.

القانون

وردا على نجم، يوضح الدكتور المتخصص في القانون الدستوري عصام اسماعيل أن “المادة ٥٢ ميّزت بين ثلاث حالات هي: الاتفاقات المالية، الاتفاقات التجارية، والاتفاقات التي لا يجوز فسخها سنة فسنة وكل واحدة منها تحتاج إلى قانون بمعزل عن مدّتها. مثلاً الاتفاقات المالية حتى لو كانت لمرّة واحدة فهي تحتاج إلى قانون”، مؤكدا أن “الهبة التي لا نعرف مضمونها لا تحتاج الى قانون لقبولها بل تحتاج الى مرسوم من مجلس الوزراء عملاً بالمادة ٥٢ من قانون المحاسبة العمومية. أما إذا كانت اتفاقية يترتب عليها أعباء مالية على الدولة فهي بحاجة الى قانون عملاً بالمادة ٥٢ من الدستور لأنها ليست هبة”.

وعن وجود استثناءات في حال كان هناك أعباء مالية مترتّبة على الدولة، يؤكد اسماعيل أنه “في هذه الحالة تتطلب تشريعاً قانونياً لأن المادة ٥٢ من الدستور تنص على أنه يجب إقرارها في مجلس النواب عملاً بالفقرة الأخيرة من المادة عينها التي تنص على أن الاتفاقات المالية والتجارية وسائر الاتفاقات التي لا يجوز نقضها، تتطلب موافقة مجلس النواب. ولأنها اتفاقية مالية فهي تحتاج الى قانون، إلا في حال تطبيق الظروف الاستثنائية يتم تأجيل موضوع إصدار قانون ريثما تُعرض لاحقا على مجلس النواب للحصول على الموافقة”.

النفوذ الإيراني وسطوة الميليشيات

أخيراً، لا يمكننا أن ننسى أن القاسم المشترك بين لبنان والعراق هو سيطرة النفوذ الإيراني وسطوة الميليشيات على الساحتين السياسية والاقتصادية. من هنا، يرى الهيتي أن هذا التعاون “قد يكون فيه نوع من دعم لقوى سياسية معيّنة ذات اتجاهات موالية لإيران. في المقابل، هناك دور أميركي واضح في عدم قبول تنفيذ هذه الاتفاقية خاصة أن زيارة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إلى واشنطن تم تأجيلها وبالتالي أرجئت الاتفاقية”، لافتا إلى أن “الكاظمي أراد أن يتخذ القرار بعد عودته من واشنطن وقد يكون هناك دور أميركي في ذلك، خاصة أننا سمعنا مؤخراً أن هناك رغبات جديدة في أن يكون لمصر دور في تصدير الطاقة إلى لبنان وقد يكون هناك دوافع أو دعم أميركي لفصل القوى السياسية المسلّحة التي تستفيد من هذه التجارة اللبنانية العراقية بشكل معيّن ودفع العراق ولبنان إلى اتجاهات أخرى حتى تقلص النفوذ الإيراني الذي يستفيد من هكذا خطوط”.

شارك المقال