المشكلة في طهران لا في بيروت

محمد علي فرحات

لا مشكلة للبنان في التواصل مع دول تبيع النفط ومشتقاته. مشكلته في توفير المال لشراء النفط، بالعملة الصعبة طبعاً. وتكمن الصعوبة في تدبّر مصرف لبنان المركزي دولارات لشراء النفط، في حين أن موجودات المصرف تتراجع وتكاد تصل إلى حدّ المسّ بالإحتياط الإلزامي، وهذا ممنوع قانوناً ويتسبّب بأذى عميق لما تبقّى من بنية المالية العامة.

كلام السيد حسن نصرالله الصاخب حول استيراد النفط من إيران يعني طهران أكثر مما يعني بيروت، ويُعبتر جزءاً من معركة تخوضها الجمهورية الإسلامية لإثبات حضورها في الإقليم، وتجاوز القرارات الأميركية والأوروبية بمنع التعامل معها اقتصادياً، مباشرة أو بطريقة غير مباشرة. وقد انحسر تصدير النفط الإيراني لهذا السبب بالذات، وتراجعت دول كبيرة كالهند ودول متوسطة كاليونان عن الاستيراد من إيران مخافة الوقوع في الحظر الأميركي والأوروبي، أي في الحظر الدولي. فكيف للبنان أن يمتلك حصانة تفوق حصانة الهند واليونان؟ سلاح “حزب الله” قوي في لبنان لكنّه اضعف من قوة دولة كبرى أو دولة متوسطة.

ونلاحظ غموضاً في قرار استيراد النفط من إيران عبر سفن مخصصة لذلك، فربما نحن أمام مغامرة لن يستطيع لبنان تحمل تبعاتها، وما من مراقب سمع رأياً صريحاً من السلطات اللبنانية حول استيراد النفط الإيراني، فكيف سيتمّ إدخال هذا النفط إلى لبنان بطريقة شرعية؟ أم أن إدخاله سيتمّ في الخفاء فيصار إلى توزيعه في العلن؟ وهذا يكشف عن خفّة في التعامل مع دولة لها شرعيتها وقوانينها وقوامها السياسي والإداري، هي الدولة اللبنانية التي ينتمي إليها السيد نصرالله، وإن اختار لنفسه ولقسم من حزبه الولاء للولي الفقيه الإيراني.

سيُنشر هذا المقال كما سينشر غيره قبل أن يدخل مسار النفط الإيراني نحو لبنان في دائرة الوضوح، أو يعمل المعنيون على نسيانه كما عملوا على إعلانه: الضجة في لبنان تحدث مثلما يسود الصمت والسكون، خصوصاً في أيامنا الحاضرة التي ينكفئ فيها المواطنون على آلامهم ويشهدون يوميات مجاعتهم المقنّعة.

وإذا كان هدف الاستيراد من إيران حل مشكلة غياب المشتقات النفطية عن السوق اللبنانية، فإن الحل الحقيقي يكمن في إيجاد المال اللازم لاستيراد النفط بطريقة شرعية لا تحمّل لبنان، دولة وشعباً، وزر تحدي أميركا وأوروبا فتدخله في دائرة دول تخضع للعقوبات مثل إيران نفسها وفنزويلا وكوريا الشمالية، وغيرها. فلبنان لا يتحمّل مثل هذا المصير الذي يؤذي اللبنانيين المقيمين، كما يؤذي المغتربين والعاملين خارج الحدود في بلاد عربية وأجنبية، ويرسلون مساعدات مالية لأهلهم في الوطن.

حتى تحرير الجنوب عام 2000 كان هناك التفاف حول المقاومة لدى غالبية اللبنانيين، والآن بعد 21 عاماً يتراجع الالتفاف ليصل إلى نصف عدد الطائفة الشيعية في أحسن الأحوال. هذه الحقيقة تسبّب ارتباكاً سياسياً واجتماعياً في لبنان لأن “حزب الله” هو الحزب الوحيد الذي يحمل السلاح بالتوافق مع الدولة منذ ما قبل التحرير. ويشكو مسؤولون لبنانيون في مجالسهم من أن أهل السلاح لم ينسّقوا معهم، خصوصاً في تصدير المقاتلين والخبراء إلى الخارج في سورية والعراق واليمن، كما أن الحزب وجد نفسه طرفاً في الصراع الإيراني- العربي فاختار طهران وترك لغالبية المواطنين اللبنانيين الصمت والمعاناة أو إعلان الانتماء العربي فتجد نفسها في صراع معه، بحكم الواقع لا بحكم الرغبة.

هذه الخريطة الممزّقة هي ما نشهده يومياً في لبنان، ويتراجع الاجتماع في بلدنا من نهضة وطنية جامعة إلى تفتّت طائفي يُذكر بأيام سوداء في غير محطة من تاريخنا.

الطائفية هي ما نرث اليوم، ومعها الجوع وكراهية العالم لنا بعدما كنّا رواد محبة وسلام.

شارك المقال