تخسر واشنطن وتقوى!

فؤاد حطيط
فؤاد حطيط

حسناً، خرجت الولايات المتحدة مهزومة من كابول. صورة الانسحاب المذل تشبه ما رآه العالم في هانوي عام 1975. انتصرت “طالبان” مثلما انتصر “الفيتكونغ” لكن هل سيكون الأميركيون خاسرين؟

في المدى المنظور سيكون الأميركيون خاسرين، وحلفاؤهم المهجورون سيدفعون ثمناً غالياً باستثناء “محظوظين” تأخذهم طائرات نقل إلى أوطان بديلة.

لكن اللافت، وبمراجعة سريعة للتدخلات الأميركية حول العالم، نجد أن الولايات المتحدة لم تربح حرباً، ولم تخرج من بلد احتلته منتصرة، باستثناء الحرب العالمية الثانية بعدما كان الأخوة الأعداء الأوروبيون قد تذابحوا حتى الوريد.

من “اللاربح اللاخسارة” في كوريا. إلى “الهزيمة المشينة” في فيتنام. إلى “النكبة” في بيروت حيث قتل 241 من جنود البحرية الأميركية “المارينز” في انفجار سيارة ملغومة في تشرين الأول 1983. إلى حرب الخليج الأولى التي انتهت بتحرير الكويت من صدام حسين ولم تفلح بإسقاطه. وحرب الخليج الثانية التي أسقطت صدام وجربت نماذج سياسية كثيرة حتى وضعت إيران يدها على العراق، وها هي واشنطن توقف عملياتها العسكرية هناك بانتظار سحب قواتها نهاية هذه السنة.  إلى التدخل العسكري في القرن الأفريقي بشعار “إعادة الأمل” فكان أن سُحل 18 جندياً أميركياً في شوارع مقديشو. إلى التدخل الملتبس في سوريا لقتال “داعش” وحماية الأكراد من دون التعرض لبشار الأسد على الرغم من كل جرائمه ضد الإنسانية، ليصبح هذا البلد ميداناً لروسيا وإيران والميلشيات الشيعية.

ثمة انتصارات صغيرة هنا وهناك. لكن المحصلة العامة خسارة أو لاربح على الأقل. ومع ذلك كانت الولايات المتحدة تزداد قوة على المسرح العالمي وراقبت عدوها الرئيسي، الاتحاد السوفياتي، يسقط بالضربة القاضية في “حرب النجوم”.

هذا التناقض بين كثرة الهزائم وازدياد القوة، يمكن فهم سره في “الهزيمة المشينة” في فيتنام.

خسرت الولايات المتحدة في حربها على فيتنام أكثر من 58 ألف جندي، وجُرح أكثر من 150 ألفا آخرين. وعلى الجانب الفيتنامي قُتل مليونا مدني ومليون عسكري. هذا بالإضافة إلى التأثيرات المتعلقة بالاستخدام الواسع للألغام الأرضية والمواد المشعة والكيميائية التي بقيت آثارها لسنوات.

وطبقا لدراسة قامت بها جامعة هارفارد، خلفت الحرب عشرة ملايين لاجئ فيتنامي ومليون أرملة و880 ألف طفل يتيم، وثلاثة ملايين عاطل.

تعهدت واشنطن بتقديم 3.5 مليارات دولار للتعويض عن تدميرها للبنية الأساسية الفيتنامية، إضافة إلى ملياري دولار تعويضات عن استخدام مواد كيميائية أضرت بمليونيْ فيتنامي، إلا أنها أيضا قررت مقاطعة فيتنام وعدم التعامل مع نظامها الشيوعي. لكن الدولتين بدأتا خطوات تطبيع بطيئة بينهما منتصف تسعينيات القرن الماضي، ووصلت اليوم إلى علاقات قوية.

بعد “اتفاق باريس” عام 1975، أخذت واشنطن عشرين عاماً حتى ترفع عقوباتها ومقاطعتها التي فرضتها على فيتنام. وانتقلت العلاقات لتصبح شراكة شاملة مرتكزة على بعد تجاري اقتصادي وآخر عسكري إستراتيجي. ومثّل صعود واستمرار تضخم القوة والنفوذ والهيمنة الصينية اقتصادياً وعسكرياً، خاصة في شرق وجنوب آسيا،عنصراً مساعداً، وربما دافعاً لهذه الشراكة.

من حرب وصفت بالأشرس في القرن العشرين إلى شراكة شاملة، ومن “عقدة هانوي” التي نشرت ثقافتها هوليوود إلى الترويج للسياحة في فيتنام، فان “ديناميكية” تدخل الولايات المتحدة وهيمنتها تمتلك آليات متعددة، أقلها ربحاً ومنفعة التدخل العسكري.

شارك المقال