وأي زويعم هذا؟

علي نون
علي نون

لديه أسباب كثيرة ليشعر بالمزيد من القهر والإحباط والفشل، السيد جبران باسيل. بل في واقع الحال، لا يمر عليه يوم واحد إلا ويتمنى لو أن الأمس لم يمرَّ ويعبر !

سهلٌ القول إنه صار جثة سياسية. وسهلٌ القول إنه أغرب انتحاري من نوعه. وأسهل من هذا وذاك، هو اللغو بأن أخصامه تمكنوا منه! وأفشلوه! ودمّروه! وتركوه على هامش التاريخ حيث غده معدوم الرجاء ومستقبله صار خلفه! لكن الحقيقة التي لا تسرُّ خاطره أبداً تقول إن هذا السياسي الغرّ هو أول وأكبر وأشرس عدوٍّ لنفسه، وحفر بدأب وإصرار الجورة التي يرتع فيها الآن!

افترض غاشياً أن ذكاءه من النوع السوبر إكسترا، وأن أحداً لن يجاريه في قفزاته الأرنبية، وأن اجتماع السلطة الشرعية والموقع الدستوري والنفوذ الحزبي والتحالف مع السلاح غير الشرعي في قبضته، سيجعل منه استثنائيًا بين عاديين، ورائداً حديثاً بين رواد سابقين، مرت عليهم أيام العز والتمكن، وغابت وأفُلت ولن تعود!

كان يمكنه لولا غروره القاتل ورعونته الطافحة وتذاكيه فوق اللزوم وقلة خبرته في البشر والحجر والشجر والسمر والسهر، وفوران دمائه الحارة في مرجل عمره الفتي… كان يمكنه ببساطة ومن دون إعجاز، أن يتجنب صيرورته تلك الجثة السياسية التي لا أمل لصاحبها في غد مشرق! بل أن يكون راهناً، المؤهل الأبرز لخلافة عمه دستورياً وشرعياً بعد أن ورثه وخلفه سياسياً وحزبياً! لكنه ارتضى غير هذا وذاك، وتصرف وفق طبيعته الأولى وليس وفق طبائعه المكتسبة والمدّعاة: تغلب فيه المتذاكي على الذكي، والمشكلجي على السياسي، والأرعن على الحليم، والمتفذلك على الحكيم، والحزبي قصير النظر على رجل الدولة الرؤيوي! لم يجد في السلطة سوى الوسيلة الفضلى لسد جوع عتيق! وترضية نفس عزّت عليها غربتها عن البيوت السياسية والطبقية والتاريخية! أراد أن يبدأ القتال من الآخر وبكل طريقة خاطئة ممكنة ومستحيلة .

بدلاً من أن يستغل (مثلاً)كونه قيّمًا بسلطات حاسمة على قطاع الطاقة والكهرباء، ويذهب إلى شيء من الإنجاز العزيز على قلوب اللبنانيين منذ بدايات الحرب منتصف سبعينيات القرن الماضي، ذهب إلى العكس تماماً، وراكم فوق هذه الأزمة أزماتٍ لا تُعدّ ولا تُحصى… رأى أن غيره الذي يتهمه بمراكمة المال والنفوذ من القطاع العام على مدى ثلاثين عاماً، يجب أن لا يكون أحسن منه! بل هو سيراكم أكثر من ذلك كله في غضون سنوات قليلة! وهكذا فعل على ما يتهمه أخصامه، من دون أن يقدم شيئاً شبيهاً أو قريباً من الذي قدمه هؤلاء الأخصام!

أكثر من نصف الدَّين العام صُرف برعايته وعنايته على الكهرباء لكن من دون كهرباء. وهو فعل ذلك بضراوة نافرة! ولا يزال يرفض تحمّل أي نوع من المسؤولية في هذا المجال، برغم تلك السيطرة والسطوة على مدى أكثر من عشر سنوات عجاف!

غيره أخذ من القطاع العام، لكنه فعل شيئاً ملموساً ومرئياً في مناطق نفوذه وعند أتباعه ومريديه ومناصريه وفي البلد بالإجمال! وحده السيد جبران باسيل أراد ويريد إخبار كل الناس بأنه مصلح فذّ، لكن القطاع الذي حكمه وتحكّم به فاسد! ووحده من دون سائر خلق الله يريد أن يقنع هؤلاء الخلق بأنه موجود لتحسين أحوالهم وأوضاعهم، لكن حظّهم سيئ أصلاً وفصلاً! وبدلاً من أن يشهدوا تقدماً إلى الأمام رجعوا إلى الخلف!

وبدلاً من أن يواجه الآخرين، الأخصام والأعداء وأصدقاء الأخصام والأعداء من موقع المقتدر صاحب السلطة والنفوذ (والسلاح غير الشرعي) برحابة ذلك المقتدر الأقوى من غيره، راح إلى العكس تماماً: فتح النار الكيدية الحزبية والسياسية والمذهبية والطائفية، وحتى العائلية، ولم يعوّف أحداً من رشقاته! وبدلاً من أن يعِد البائسين والقانطين والمقهورين والآملين والحالمين والحياتيين بغدٍ أفضل، راح إلى الماضي ولم يترك قبراً إلا ونبشه ومصيبةً إلا واسترجعها !

أزعر بالفطرة. وحرتقجي صغير لكنه يدّعي الكِبر! كان يمكن أن يكون شاباً واعداً وصاحب بدائل حيوية في السياسة والإصلاح والتنمية، لكنه ظهر وأظهر نفسه بأنه مشروع زويعم فاشل في السياسة والدولة والإنجاز والحاضر والآتي! امتلك ما لم يمتلكه غيره من جيله، لكنه سرعان ما شاب وشاخ وختير حتى اضمحلّ أو يكاد! وصار تلك الجثة السياسية التي لم يعد يريدها أحد… حتى من داخل بيته السياسي وتياره الحزبي ومرجعيته الدينية .

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً