هل سُلّم لبنان إلى إيران؟

محمد نمر
محمد نمر

الدولة تتفكك. فقد الحكّام السيطرة على إدارة البلاد. المجتمع الدولي يأخذ دور المشاهد لفيلم “سقوط الهيكل اللبناني”. دول تعجز عن المساعدة، وأخرى تنتظر مرحلة السقوط لتبني رؤيتها تجاه لبنان. وكل التحليلات تتفق على أن لبنان بات في عمق الانهيار الكبير. وباتت الأحداث الاستثنائية عادية بالنسبة إلى اللبنانيين. انفجار عكار كان مؤشراً بالغ الخطورة لتعاطي الدولة واللبنانيين مع الكارثة. يمثّل انفجار عكار في حجم خسائره البشرية نحو 10% من تفجير المرفأ. ورغم ذلك بات حدثاً عادياً في دولة قد يحدث فيها يومياً مثل هذه الانفجارات، بعدما أصبح لبنان يعوم على المحروقات المخزّنة بين المباني وفي الأحياء والمحال وخزّانات المحتكرين. ارتفاع في مستويات الجريمة، حوادث الموت بالجملة. ما يعني أن الاستثناء تحوّل عادياً. والعادي يمكن أن يتكرر كل لحظة وكل يوم وكل أسبوع.

لا كهرباء. لا دواء. لا خبز. لا مياه. لا مازوت. لا بنزين. لا غاز. رواتب لا قيمة لها. ارتفاع في الأسعار. مستشفيات تناشد قبل موت مرضاها. محالّ أقفلت أبوابها. شركات متعددة الجنسيات هربت من لبنان. قطاعات الدولة سقطت. سقط كل شيء في لبنان… ولا يزال المجتمع الدولي يتفرّج على اللبنانيين. قهر وذلّ ومعاناة يومية ونسب انتحار ترتفع.

وأمام المشهد الأسود، كان هناك طرف يعزز وجوده. دواء إيراني في وزارة الصحة (طبابة إيرانية)، زحمة على “القرض الحسن” (مال إيراني)، محروقات تبحر في السفن (بنزين ومازوت إيرانيان)، إطلاق صواريخ على إسرائيل (قرار الحرب والسلم بيد إيرانية). فتوفير “حزب الله” خدمات مطلوبة بإلحاح في لبنان، يعني أن جزءاً من اللبنانيين سيلجؤون إلى الحزب لأنها من مقومات صمودهم في الأزمة.

وإلى جانب هذه الخدمات التي تؤمنها إيران لـ”حزب الله”، لدى الأخير: رئيس جمهورية يعطّل تشكيل حكومة، أكثرية نيابية تعطّل أي تشريع يضر بـ”الممانعة”، وزراء، مدراء عامون وموظفو دولة، وفئة من الشعب اللبناني تدعمه. وعلى الرغم من ذلك، يقف المجتمع الدولي متفرجاً على الأحداث.

نفق أسود دخله لبنان، وغير معروف متى ينتهي أو كيف ينتهي، لكن ما هو معروف اليوم أن هناك سفينة إيرانية تبحر باتجاه لبنان، لتقدم المازوت لـ”حزب الله” الذي أعلن بدوره أنه سيوزعها على كل اللبنانيين. وبعيداً عن تفاصيل ترتبط بآلية التوزيع وكلفة صفيحة المازوت أو أسلوب وصول المحروقات أو غيرها، هناك أسئلة بالغة الخطورة: هل ستسمح أميركا وحلفاؤها بدخول هذه السفينة إلى المياه اللبنانية؟ وهل أبحرت السفينة أساساً ليتم استهدافها؟ أو أن هناك تسوية ما تحت الطاولة أعطت الضوء الأخضر لإيران لتبحر سفينتها؟

اليوم هناك من يعتبر أن وصول السفينة إلى لبنان وإفراغ حمولتها وعودتها سالمة إلى إيران، يعني أن لبنان سُلّم إلى إيران وننتظر توقيع “عقد البيع الممسوح”. في المقابل، إذا استُهدفت ناقلة النفط، فنكون أمام حديثين: الأول أن أميركا قطعت طريق مدّ اللبنانيين بالنفط، فاللبناني وصل إلى حد طلب البنزين أو المازوت من “الشياطين الزرق”، والثاني أن أميركا ستستهدف “أرضاً لبنانية” بنظر “حزب الله”، ما يعني أن الحزب سيرد على الاستهداف في “المكان والزمان المناسبين” بأمر إيراني مباشر يضع لبنان على صفيح حرب المحيطات والبحور والسفن. فهل نعيش نهايات تسليم لبنان إلى إيران بادارة “حزب الله” مقابل حلحلة ملفات أكبر في المنطقة، وترك اللبنانيين لمصيرهم الأسود؟

شارك المقال