عودة “طالبان”: توقيت أميركي يُقلق الجيران

كارين بولس
كارين بولس

في أفغانستان، كل شيء تطور بسرعة، وعادت حركة “طالبان” بعد ٢٠ عاماً، لتفرض حضورها بقوة مع نهاية عملية انسحاب القوات العسكرية الأميركية من البلاد، بموجب مرسوم أصدره الرئيس الأميركي جو بايدن.

الحركة التي أسسها الملا محمد عمر عام ١٩٩٤، تتألف من مقاتلين سابقين في المقاومة الأفغانية، يُعرفون مجتمعين بـ”المجاهدين” الذين حاربوا القوات السوفياتية في الثمانينيات. وتهدف الحركة إلى فرض تفسيرها للشريعة الإسلامية على البلاد وإزالة أي تأثير أجنبي.

عودة طالبان السريعة أثارت تساؤلات حول كيفية تمكنها من السيطرة مجدداً على كابول أثناء الانسحاب الأميركي، هذه العودة لها أسباب مباشرة كثيرة، أبرزها أن تغيَّرات داخلية شهدتها الحركة المتشددة، فهي بعد أن كانت في السابق عبارة عن مجموعة من طلاب الشريعة، حملوا السلاح للحفاظ على الأمن داخل أفغانستان، ولم يدخلوا العمل السياسي، “انتقلت اليوم إلى العمل السياسي والإعلامي، فكسبت الشارع وبات لها حاضنة شعبية”، وفق ما يعتبر الخبير في الجماعات الإسلامية الشيخ نبيل رحيم، في حديث إلى موقع “لبنان الكبير”.

هذا التغيّر الذي طال الحركة التي بدأت مسيرة ظهورها من المعاهد الدينية ذات النهج المحافظ في باكستان، “مكّنها من الدخول في حوار مع الأميركيين عبر دولة قطر، كما دخلت في حوار مع الإيرانيين والروس والصينيين وباكستان والكثير من الدول، فتمكنت من تحييد نفسها عن بعض العداوات السابقة”.

ويرى رحيم أن “الحركة تتمتع ببنية عسكرية قوية، تتصف بالصبر في القتال على الرغم من أنها لا تمتلك أسلحة متطورة، كل هذا مكّنها من التفاوض بطريقة الند للند وبالتالي عادت إلى الظهور والسيطرة على الأرض”.

ومما لا شك فيه، أن انسحاب الولايات المتحدة، في هذا التوقيت وعودة طالبان يقلق جيران أفغانستان، وتبقى إيران الأكثر عرضة للخطر؛ حدود إيران مع أفغانستان تبلغ نحو 945 كيلومتراً، هذه المسافة الطويلة جداً كافية لإخافة النظام الإيراني وجعله يترقب بحذر ما ستؤول اليه الأمور بعد أن تعلن طالبان عن حكومتها وبرلمانها وسياستها.

إذاً قد تكون طالبان عدواً شرساً لإيران، وقد تكون الحليف؛ الفروقات المذهبية بين الطرفين لم توقف إيران عن دعم طالبان بعد هجمات ١١ أيلول ٢٠٠١ ضد الولايات المتحدة. إيران فتحت حدودها للفارين من قيادات تنظيم “القاعدة” ورعت عائلة أسامة بن لادن، وهذا التحالف قد يستمر بعد تعدّد زيارات وفود طالبان إلى طهران بشكل مكثف منذ كانون الأول الماضي وسبق أن امتدح المرشد الأعلى علانية طالبان.

إلّا أن رحيم يستبعد فرضية التوقيت المتعلقة بأحداث المنطقة ومحاولة أميركا خلق “مشكل” أفغاني – إيراني، فبالنسبة له إن “الغطاء الأميركي الكبير هو الذي سمح للإيرانيين بالسيطرة على جزء كبير في سوريا والعراق، ولو كان العكس لزوّدت اميركا المعارضة السورية والعراقية بأسلحة متطورة ومنها مضادة للطائرات لخلق بعض التوازن بوجه إيران”.

أما الجارة الثانية الصين والتي يصل طول حدودها مع أفغانستان إلى 76 كيلومتراً فقط، فعلى الرغم من تصريحاتها الإيجابية التي صدرت عنها فور سيطرة الحركة على العاصمة كابول، إلا أن إقامة علاقات جيدة بين الطرفين لا تزال، أقله حتى الساعة، بعيدة المنال، لأن الحركة تتناقض مع المصالح الاستراتيجية لبكين، ولأن الأخيرة تستهدف ما تسميه التطرف الديني بين الأقليات العرقية المسلمة في إقليم شينجيانغ، وبالتالي يبقى الموقف الصيني براغماتياً يهدف إلى تجنيب الصين أي عمل “إرهابي” أو عسكري قد تقوم به طالبان مباشرةً أو من خلال دعم الأقليات المسلمة، ليس أكثر.

في هذا السياق، يستبعد رحيم أن تضغط طالبان على الصين، متوقعاً أن يأتي الدعم الطالباني “عبر بيانات الاستنكار والشجب والتأييد لقضية مسلمي الأويغور”.

إقرأ أيضاً: نموذج طالبان يستهوي الميليشيات العراقية

أما الحدود الأطول فهي مع باكستان، اذ تمتد أكثر من 2600 كيلومتر، حيث تنشط تجارة وتهريب المخدرات، والتي ستمنعها طالبان، باعتقاد رحيم، على الحدود الباكستانية والإيرانية.

ويبقى حسب رحيم، أن هناك إسلاميين معتدلين كثر يمكن التفاهم والوصول معهم الى قواسم مشتركة من كل الأطراف، ان كانت سياسية أو دينية أو طائفية أو مذهبية أو فكرية والتوصل معهم إلى نتائج إيجابية.

الأيام المقبلة كفيلة بتبيان حقيقة التغيّرات لدى الحركة الإسلامية المتشددة، فهل ستشهد أفغانستان المزيد من الفوضى والاغتيالات؟ أم أن طالبان ٢٠٢١ ستحمل الاستقرار إلى أفغانستان البلد الذي عانى من حرب وُصِفت بأطول الحروب التي خاضتها أميركا.

إن غداً لناظره قريب.

شارك المقال