الشرق الأوسط يستنزف موارده المائية… وحضاراته

حسناء بو حرفوش

نشر موقع مجلة “ذا نايشن” (thenation) الأميركية مقالاً يحذر من استنزاف الشرق الأوسط إمداداته المائية ومن تهديد الجفاف عشرات الحضارات، مسطراً ضرورة عودة الدول والجهات المعنية بهذه المسألة وتحديداً تلك التي تستثمر في مشاريع السدود، إلى طاولة الحوار لحل المشاكل العالقة وضمان تأمين المياه لسكان المنطقة بعيداً عن استغلال حاجاتهم وجيوبهم.

ووفقاً للمقال، “لقد تغذت عشرات الحضارات ومئات الملايين من الأرواح، منذ آلاف السنين، على مياه الشرق الأوسط: على نهري دجلة والفرات في الشرق ونهر النيل في الغرب، وبحر الجليل ونهر الأردن. ومن قلب هذه المنطقة، نمت المحاصيل وازدهر صيد الأسماك؛ وتوفرت للناس المياه للشرب وللاستحمام والاغتسال؛ واحتلت المياه مكانة بارزة في النصوص الدينية المختلفة. لكن وجودها أخذ من ضمن المسلمات لفترة طويلة، وفجأة لم تعد موجودة. وقد نتج عن مزيج من تغير المناخ والمبادرات أحادية الجانب إلى خفض إمدادات المياه بشكل كبير. وإن لم يتم التعامل مع هذه التحديات، ستأتي النتائج مدمرة لسبل عيش وبقاء مئات الملايين من الناس والكائنات الحية الأخرى، دون أن ننسى التوترات الناتجة والتي من شأنها أن تؤجج صراعات أكبر مما نشهده في الوقت الحاضر.

سوريا: المياه تؤجج الاقتتال

(…) ومع ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض نسب هطول الأمطار، عانت العديد من البلدان العربية بالفعل من جفاف حاد يعدّ الأسوأ منذ 900 عام. وأدت هذه التغيرات المناخية إلى زيادة التبخر وانخفاض مستويات المياه وانتشار التصحّر. ولا تظهر العواقب فقط من خلال تجفيف الأراضي الزراعية المروية في السابق وتفكك وإفقار صغار المزارعين، ولكن أيضًا في زيادة كثافة العواصف الترابية، مع ظهور آثارها في مناطق بعيدة مثل شبه الجزيرة العربية. وهناك أدلة كثيرة تضيف الجفاف إلى العوامل المحفزة للاقتتال الداخلي في سوريا. فقد أجبرت سنوات طويلة من انخفاض مستويات الأمطار بشكل خطير إلى جانب سوء الإدارة الحكومية وانعدام البصيرة، مئات الآلاف من المزارعين السوريين على مغادرة أراضيهم والفرار إلى المدن. كما زاد تدفق أكثر من مليون لاجئ عراقي إلى الضغط على الموارد، ما مهد الطريق للحرب والتطرف، وقاد أخيراً إلى اندلاع احتجاجات جماهيرية. لم يؤد رد النظام الوحشي على هذه الاضطرابات إلا إلى تأجيج غضب السكان من تفككهم وفقرهم.

وتفاقمت مشاكل المياه في سوريا بسبب السدود التركية على نهر الفرات، مع انخفاض نسبة تدفق المياه إلى البلاد بـ 40%.

الأراضي الزراعية تتقلص في العراق

كما تأثر العراق، الذي شهد بدوره ارتفاعًا في درجات الحرارة وانخفاض مستويات هطول الأمطار وانتشار التصحر، بشكل كبير بالسدود التركية على نهري دجلة والفرات. وتشير التقديرات إلى أن سدود الفرات خفضت إمدادات المياه في العراق بمقدار 80%، ما تسبب بجفاف الكثير من محاصيل التمور في العراق والذي لطالما اشتهر ببساتين الحمضيات وحقول الأرز. ويفقد العراق المزيد من الأراضي الصالحة للزراعة كل عام.

بالإضافة إلى ذلك، دق ناقوس الخطر بسبب المستوى المنخفض الخطير للمياه العذبة في الأنهار والتي تشكل مصدراً رئيسياً لمياه الشرب بسبب التدفق العكسي للمياه المالحة من الخليج إلى الأنهار، ما يجعل المياه غير آمنة للاستهلاك والري. ومع تخطيط تركيا لبناء 22 سدًا إضافيًا، تشير التقديرات إلى أن السدود الجديدة على نهر دجلة ستقلل من تدفق المياه إلى العراق بأكثر من 50 %.

مصر والسودان

والحال سيان في مصر والسودان اللتين تكافحان لمواجهة التهديدات التي ستنجم عن مشروع السد الإثيوبي الجديد والذي يعد الأكبر في القارة الأفريقية. ويعتمد المصريون على نهر النيل لتأمين 97% من مياههم ويقدر أنهم سيفقدون حوالي 20% من إمداداتهم المائية لصالح سد النهضة الإثيوبي الكبير. بدورها، تقدر السودان أن السد سيقلل من الإمدادات بالمياه بنسبة النصف، نظرًا لأن المياه هي بالفعل سلعة نادرة. وفي ظل مواجهة البلدين للتصحر الناجم عن تغير المناخ، سيضاعف عدد السكان الذي يتزايد بسرعة والاقتصادات المتعثرة، من التحديات.

إسرائيل تستنزف مياه الضفة

كما تضيق إسرائيل الخناق على الفلسطينيين من خلال إحكام قبضتها على الماء. وهي تقوم منذ فترة طويلة بتحويل المياه من بحيرة طبريا إلى الجنوب لدعم الزراعة والسكان (…) ويرى بعض المحللين أن مخططات تحويل المياه في الأراضي المحتلة كعامل مساعد في حرب 1967 حين اجتاحت إسرائيل الضفة الغربية، واستولت على كل فلسطين ومرتفعات الجولان، وكثفت استغلالها لمياه البحر ونهر الأردن ومياه طبقات المياه الجوفية في الضفة الغربية. أما اليوم، فيستنزف الإسرائيليون أكثر من 80% من طبقات المياه الجوفية في الضفة الغربية. وتسبب تحويلهم لمياه الجليل ومياه نهر الأردن إلى تقليص هذا النهر التاريخي إلى 5% من حجمه الأصلي. ولزيادة الطين بلة، يضطر الفلسطينيون والأردنيون لشراء المياه من إسرائيل بأسعار باهظة.

إقرأ أيضاً: الشرق الأوسط جحيم غير صالح للسكن؟

وتشكل كل هذه المواقف تهديدات حقيقية لحياة الإنسان بسبب الفقر والتشرد الذي تولده وخطر اندلاع صراعات أكبر. ويمكن للمفاوضات المساهمة في الحل. وقد سعت سوريا والعراق للتوصل إلى حل وسط مع الأتراك. كما ناشدت مصر والسودان إثيوبيا لتمديد فترة ملء السد ما بين 10 إلى 15 عامًا، للتمكن من إجراء التعديلات اللازمة في اتجاه مجرى النهر. وشكلت المياه إحدى القضايا التي وافقت إسرائيل في أوسلو على الامتناع عن التأثير فيها من خلال إجراءات أحادية الجانب. لكن تركيا وإثيوبيا وإسرائيل تصرفت وفقاً لأجنداتها الخاصة بعيداً عن تعزيز التعاون الإقليمي والاستقرار.

أخيراً، وبعد أن غذت أنهار دجلة والفرات والنيل والأردن الحضارات التي ازدهرت على طول ضفافها لآلاف السنين، باتت الاستثمارات الأنانية لعدد قليل من الدول تهدد بسبب المياه نفسها، حياة الآخرين وتسهم في إشعال الصراعات”.

المصدر: the nation

شارك المقال