بعد الأخذ والرد في تصريحات المسؤولين في كل من سوريا وتركيا بشأن عودة العلاقات بين البلدين، بعد 13 عاماً على انقطاعها منذ بدء الأزمة السورية في 2011، وربطها بسحب القوات التركية من شمال غربي سوريا، قال وزير الدفاع التركي يشار غولر في تصريحات لوكالة “رويترز” ان “أنقرة لا يمكن أن تناقش التنسيق بشأن الانسحاب من سوريا إلا بعد الاتفاق على دستور جديد وإجراء انتخابات وتأمين الحدود”.
وأعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نواياه لعودة العلاقات مع سوريا واستعداده للقاء الرئيس السوري بشار الأسد، بوساطة كل من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ورئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، قبل أن يرد الأسد بالترحيب بأي مبادرة ولكن “بشروط” وضرورة وجود “قواعد ومرجعيات عمل”. ولكن إلى أي مدى يبدو “التطبيع” ممكناً بعد تصريح وزير الدفاع التركي، وهل تنسف “شروط” تركيا، التي كانت تظهر نفسها على أنها “الملاك الحارس” للمعارضة السورية، مسار عودة العلاقات؟
لا يرى الكاتب والمحلل السياسي فيصل عبد الساتر في حديثه لموقع “لبنان الكبير” أن الوقت حان للتلاقي السوري – التركي خصوصاً مع غياب أجوبة تركية واضحة عن الشروط السورية لعودة العلاقات، ومثل هذه التصريحات لا تخدم أي تقارب في المدى المنظور.
وأوضح أن “الرد السوري كان مباشراً بأن مضمون أي لقاء هو ما يهم وليس اللقاء نفسه، ولكن الجانب التركي لم يفصح عن خطوات واضحة، ما انعكس أجواء سلبية دفعت التركي الى لغة التصعيد من جديد، خصوصاً أن إعادة خلط الأوراق على الصعيد الأمني والعسكري في سوريا، قد تشجع التركي على الدخول في مواجهة جديدة لكي يتجنب ما يسميه تنامي قوة الميليشيات الكردية”.
وأشار الى أن “التركي يتذرّع بالموضوع الكردي ليبرر لنفسه التدخل والتوغل في سوريا والعراق تحت هذا العنوان، ولكن الجانب السوري مدرك أن التركي سيجد ذرائع أخرى، خصوصاً وأنه على مدار أعوام ماضية احتضن ميليشيات إرهابية ودعمها في وجه الدولة السورية”.
واعتبر عبد الساتر أن “الرئيس التركي وصل إلى طريق مسدود بعدما ادرك أن كل رهاناته السياسية لم تأتِ له بأي نجاحات على أي مستوى من المستويات، إذ كان يتحدث في بادئ الأمر عن عودة العلاقات مع سوريا من دون التطرق الى شروط، وكان يريد التقاط صورة مع الرئيس الأسد ربما يستفيد منها، ولكن عندما رأى رد الفعل السوري، بدأ الآن بتسريب أن لديه شروطاً هو الآخر لعودة العلاقات”.
كما أن تركيا لم تعد هذه القوة التي يمكن أن تفرض شروطها ولا دخل لها بالشأن السوري الداخلي، لذلك لا تجد سوريا نفسها مضطرة الى تقديم إجابات عن مطالب تركية لا تراها محقة في الأساس وفق عبد الساتر.
الكرد هاجس تركيا
أما الصحافية عالية منصور فذكرت في حديثها لموقع “لبنان الكبير” بأن مسار تخلي تركيا عن دعم الثورة بدأ مع مسار آستانة ودعم مؤتمر سوتشي وسقوط حلب. التركي لديه الهاجس الكردي والتخوف من سيطرة حزب “العمال الكردستاني” على الحدود، وكل ما يفعله منذ سنوات يصب حصراً في هذا السياق، كما أن هناك تقاطع مصالحه مع حليفه الروسي ولا يريد إغضابه، والروسي لديه رغبة أيضاً في أن يرى حليفيه وقد تصالحا.
وحول تصريح وزير الدفاع التركي برفض بلاده الانسحاب من سوريا قبل الاتفاق على دستور جديد وإجراء انتخابات، قالت منصور: “موضوع الدستور والانتخابات هما نتاج مؤتمر سوتشي وليس كما يحاول البعض القول انهما تنفيذ للقرار الدولي 2254، فالقرار واضح جداً ولا يحتمل أي تأويل، والانتقال السياسي والبيئة الآمنة شرطان ملزمان قبل الحديث عن الدستور والانتخابات، ومع ذلك بعد أن فرض بعض الدول على المعارضة الرسمية تقديم هذا التنازل والتراجع عن القرار 2254 لصالح مقررات سوتشي، لم يقدم الأسد أي تنازل، واليوم الحديث عن الدستور والانتخابات حديث شكلي وبرأيي ما يهم تركيا هو الحدود، وإبعاد حزب العمال عن أراضيها، والانسحاب لن يحصل الآن لأن الطرفين، النظام السوري وتركيا، غير قادرين على تطبيقه بما يراعي مصلحتهما”.
مع العلم أن مؤتمر سوتشي هو مؤتمر للحوار الوطني السوري دعت إليه روسيا، وعقد في 30 كانون الثاني 2018، وقاطعته المعارضة السورية والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا. ومن أبرز مخرجاته الاتفاق على تأسيس لجنة لإعادة كتابة الدستور السوري، ودعوة الى لإجراء انتخابات ديموقراطية.
أما قرار مجلس الأمن رقم 2254 في 18 كانون الأول 2015 فكان نصّ على بدء محادثات السلام بسوريا في كانون الثاني 2016، وأكّد أن الشعب السوري هو من يقرر مستقبل البلاد، ودعا الى تشكيل حكومة انتقالية وإجراء انتخابات برعاية أممية، مطالباً بوقف أي هجمات ضد المدنيين بصورة فورية.
ورأت منصور أن المعرقل الأساسي للتطبيع السوري-التركي هو الايراني، وهذا ما يظهر بصورة واضحة في تفاوت بيانات النظام في الحدة وأحياناً التعارض، فكأن أحد البيانات يخرج ارضاء للروسي وآخر ارضاء للإيراني.
وأضافت: ” لبعض يحاول استغلال انشغال الأميركي بالحرب والانتخابات، ولكن هل تنجح تسويات تتعارض مع مصلحة الأميركي وموافقته؟ التطبيع العربي بدأ قبل أكثر من سنة، بعض الأوروبيين يسعى الى التطبيع مع الأسد، ومع ذلك على أرض الواقع لم يتغير الكثير”.