“نزهة” كابول – بيروت المعمّدة بالدّم!

رامي الريّس

صحيحٌ أن ثمّة خلط أوراق سياسيّة تشهدها المنطقة برمتها بدأت في الإنسحاب الأميركي غير المفاجىء من أفغانستان وبسط “طالبان” سيطرتها مجدداً على مجمل أراضي “مقبرة الامبراطوريّات”، مروراً بالتعثر المتواصل للمحادثات النوويّة بين الغرب وطهران (التي للمفارقة تضغط موسكو لإعادة تنشيطها)، وصولاً إلى الانهيار اللبناني الذي يأخذ أشكالاً متنوعة يوميّاً وينذر بعواقب وخيمة ولكنه يبقى تفصيلاً صغيراً قياساً إلى حجم المتغيّرات الإقليميّة.

إنما ثمّة من يجيد إدارة اللعبة الإعلاميّة والدعائيّة عبر قلب الحقائق تارةً والمفاخرة بانتصاراتٍ واهية تارةً أخرى. ومن الأمثلة الواضحة على ذلك، سعي محور الممانعة إلى الإيحاء بأن المتغيّر الأفغاني هو إنتصار لهذا المحور بمعنى أن الانسحاب العسكري الأميركي (مع ما رافقه من مشاهد مؤلمة للمتحلقين حول الطائرات قبل إقلاعها) يصّب مباشرة في مصلحة هذا المحور.

إن السعي لتفكيك مرتكزات هذا المنطق توحي بخلاصات مغايرة تماماً، إن لم تكن مناقضة بالمطلق. فهل أن “طالبان” و”القاعدة” وملحقاتهما من منظمات أصوليّة هي في محور واحد مع دمشق وطهران وملحقاتهما من منظمات مسلحة وأذرع عسكريّة وأمنيّة؟ وهل أن هذا الانسحاب سيعزّز من دور ونفوذ تلك القوى المنضوية تحت لواء هذا المحور في المنطقة أم أنه سوف يضعفها؟

ليس هناك ما هو أسهل من تسجيل المواقف الإعلاميّة والبطولات الوهميّة لا سيّما إذا كانت النتائج الميدانيّة هي عمليّاً صنيعة القوى الأخرى! ولكن الواقع يشي بغير ذلك تماماً. الأكيد أن التطوّر الأفغاني سوف يرخي بظلاله على ما يتعدّى منطقة آسيا الوسطى وصولاً إلى الشرق الأوسط نظراً لتداخل المناطق والنفوذ وإمتداد القوى الإقليميّة من بيروت ودمشق إلى طهران وكابول.
حقبة ما بعد الخروج الأميركي ستكون أكثر قسوة على اللاعبين الإقليميين. لقد سعت طهران لمد خطوط الحوار مع “طالبان” قبل سقوط الحكومة الأفغانيّة وإستقبلت وفداً من قيادتها بصورةٍ علنيّةٍ وأمام عدسات المصورين منذ أشهر قليلة وذلك في خطوة إستباقيّة تحسباً لعودتها المرتقبة إلى حكم أفغانستان وهو ما كانت تشير إليه بصورة شبه حاسمة معظم التقارير السياسيّة والاستخباراتيّة منذ أن وقعت واشنطن إتفاقها الشهير مع الحركة في قطر أثناء ولاية الرئيس السابق دونالد ترامب وتضمن تحديد جدول إنسحاب القوّات الأميركيّة (وترامب ينتقد خطوة إدارة بايدن اليوم!).

العلاقات الإيرانيّة – الأفغانيّة لن تكون نزهة بالتأكيد وهو ما قد يستنزف من قدرات إيران وطاقاتها في مجال الاستمرار في دعم وتمويل أذرعها الاقليميّة الممتدة من لبنان إلى سوريا والعراق واليمن وسواها من المواقع التي صارت تملك فيها كلمة مؤثرة إن لم تكن الكلمة الفصل.

يبقى لبنان المنقسم على ذاته ذاك اللاعب الصغير الذي تتقاذفه الأمواج الإقليميّة من جهة والأهواء المحليّة المريضة من جهة ثانية. ها هو قد فقد كل ميزاته التفاضليّة وينضم تدريجيّاً إلى قائمة الدول الفاشلة والمتخلفة. “النزهة” من كابول إلى بيروت معمّدة بالدم! للأسف، المستقبل لا يبدو برّاقاً على الإطلاق!

شارك المقال