دخلت منطقة الشرق الأوسط “عنق” المدافع المنصوبة، بانتظار تلقي الأوامر لبدء الحرب الشاملة، إذا ما بقيت مفاوضات التوصل الى إتفاق هدنة وقف اطلاق النار في غزة متعثرة، وسط اصرار رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو على الامعان في زرع العبوات الناسفة لتفجير المساعي التي تبذل للتوصل الى الهدنة، بحيث أن المنطقة مقبلة على تصعيد ومواجهة عسكرية حتمية، بين إسرائيل من جهة وإيران و”حزب الله” من جهة أخرى، حتى لو تم التوصل الى اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، كما أن هناك شكوكاً كثيرة حول التزام إسرائيل بأي اتفاق مع “حماس”.
لا شك في أن صاعق تفجير المنطقة سيكون جبهة لبنان وإسرائيل، التي شهدت خلال الأيام الأخيرة اتساعاً خطيراً في العمليات العسكرية.
فما تشهده الجبهة من عمليات عسكرية متدحرجة، من صيدا الى بعلبك وصولاً الى الجولان المحتل، خرج عن اطار المألوف، وعمّق التوجس بأن مرحلة جديدة بالكامل بدأت على الجبهة اللبنانية مع إسرائيل. فوفقاً لقراءات المحللين وتقديرات مراكز الأبحاث الاسرائيلية، وفي ظل استمرار القتال لأكثر من 10 أشهر على طول الحدود الشمالية، بات واضحاً اليوم أكثر من أي وقت مضى أن “حزب الله” يتحدى إسرائيل ويتجاوز حدود معادلة الردع، وهو ما يربك تل أبيب التي تخشى من خسائر فادحة في الجبهة الداخلية في حال اندلاع مواجهة شاملة.
وحسب القراءات الاسرائيلية، فإن استعداد “حزب الله” لخلق احتكاك عسكري مع إسرائيل يزداد كلما زادت ثقته بقوته وقدرته على إحداث دمار إستراتيجي وأضرار لاسرائيل، ويرجع ذلك إلى رفع قدراته العسكرية، وفي مقدمها الصواريخ الدقيقة، وإحكام التنسيق في محور المقاومة، فضلاً عما يعتبره ضعفاً داخلياً لدى إسرائيل.
ويستعرض الباحث في “معهد أبحاث الأمن القومي” في جامعة تل أبيب يورام شفايتسر، العوامل التي أثرت في تصميم “معادلة الردع” بين “حزب الله” وإسرائيل، وتطورها التدريجي طوال 40 عاماً من الصراع بين إسرائيل والمنظمة، مشيراً إلى أن توازن الردع الحالي له جذور عميقة في إستراتيجية “حزب الله”.
ويضيف الباحث الاسرائيلي: “في ظل ميل نصر الله الى المخاطر والواقع الاقليمي المتغير، والحرب على غزة والقتال على الجبهة الشمالية، فإن ذلك لا يضمن منع نشوب صراع واسع النطاق بين حزب الله والجيش الاسرائيلي في المستقبل، والذي قد يتطور إلى حرب إقليمية متعددة الساحات”.
وبالعودة الى التطورات الميدانية، فقد برزت تطورات تنذر بأن الحرب الاستباقية الاسرائيلية قد بدأت بصورة فعلية، ما يؤسس إلى الحرب الشاملة. وتمثلت هذه التطورات في إمعان إسرائيل في توجيه ضربات بالعمق اللبناني وتحديداً في بعلبك، مستهدفة (منتصف ليل الثلاثاء – الاربعاء) ولليوم الثاني على التوالي ما أعلنتْ أنه مخازن أسلحة لـ “حزب الله”. والتطور الثاني يتمثل في اغتيالها القيادي في “كتائب شهداء الأقصى” – الجناح العسكري لحركة “فتح” خليل المقدح (شقيق القيادي في “فتح” منير المقدح) قرب مخيم عين الحلوة بغارةٍ على سيارته، إذ أعلن الجيش الاسرائيلي أن المقدح “كان ينقل الأموال والأسلحة إلى الضفة الغربية وكان يعمل مع الحرس الثوري الايراني”.
ومقابل الضربات الاسرائيلية، أعلن “حزب الله” أنه “ردّاً على اعتداء العدو الاسرائيلي الذي طال منطقة البقاع قصف مجاهدو المقاومة الاسلامية قاعدة تسنوبار اللوجيستية في الجولان السوري المحتل بصليات من صاروخ كاتيوشا”، موضحاً أن “هذه القاعدة تتموضع فيها قوات المشاة أثناء فترة تدريبها في الجولان السوري المحتل، وتضم مركزاً لذخيرة المدفعية يتبع لوحدة التسليح الاقليمية في جيش العدو محمية بمنظومة القبة الحديدية، وهي تُستهدف للمرة الثانية”.
وأعلن في بيان آخر أنّه “في الاطار نفسه شنّ هجوماً جوياً بأسراب من المسيّرات الانقضاضية على المقر الاحتياطي للفيلق الشمالي وقاعدة تمركز احتياط فرقة الجليل ومخازنها اللوجيستية في عميعاد، مستهدفاً مراكز القيادة وأماكن تموضع ضباطها وجنودها، وأصابت أهدافها بدقة”.
وكان لافتاً أنه بعد الهجوم على الجولان، أعلن الجيش الاسرائيلي أنه “مثل أي دولة عليها أن تدافع عن مواطنيها، ستتحرك إسرائيل في لبنان رداً على استهداف حزب الله المدنيين في القصف الأخير الذي أصاب بلدة كتسرين”، متحدثاً عن “50 قذيفة صاروخية أطلقت في اتجاه البلدة وبشكل عشوائي نحو المدنيين الاسرائيليين”.
المسار العسكري التصعيدي غير المسبوق، يؤكد أن الحرب على الجبهة اللبنانية قد بدأت بخطواتها التمهيدية، وسط مخاوف جدية من توسعها تدريجياً وبصورة متسارعة، وصولاً الى الحرب الشاملة، بعدما بات الجنوب “الجبهة الرئيسية”، في ظل الصراع القائم في المنطقة، بعدما انتهت حرب غزة بمعناها العسكري، ودخولها الحرب السياسية.