بغداد تقدم مقاربة إقليمية جديدة وباريس تريد استعادة وهجها في العراق

علي البغدادي

يعوّل العراق بعد استضافة مؤتمر قمة ‫بغداد لدول الجوار بمشاركة الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون، لاستعادة دوره الجيوسياسي في المنطقة بعد سنوات من الانزواء والتراجع على وقع غزو الكويت في 1990 وانتهاء بوقوعه تحت الاحتلال الأميركي في 2003 وما جره من واقع مأسوي من عنف وإرهاب وغياب هيبة الدولة وسيادتها.

ومنحت المشاركة العربية ممثلة بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني إلى جانب نائب رئيس دولة الإمارات ورئيس مجلس الوزراء حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم ورئيس الوزراء الكويتي الشيخ صباح خالد الصباح ووزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان ووزيري خارجية تركيا وإيران، فضلاً عن حضور رئيس مجلس التعاون الخليجي وممثلو الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي والاتحاد الأوروبي ودول مجموعة العشرين من إعطاء دفعة معنوية لتوجهات الكاظمي وخططه التي تعتمد على تفعيل الجهود الدبلوماسية لحلحة الخلافات في المنطقة وبناء شراكات اقتصادية بين دول المنطقة.

وحققت بغداد وبالأخص حكومة مصطفى الكاظمي مكاسب سياسية ومعنوية تمثلت في جمع الرياض ممثلة بوزير خارجيتها الأمير فيصل بن فرحان وطهران ممثلة بوزير الخارجية حسين امير عبد اللهيان على طاولة واحدة بعد سنوات من القطيعة إلى جانب عقد اجتماع ثنائي بين أمير قطر الشيخ تميم بن حمد ونائب رئيس دولة الإمارات ورئيس مجلس الوزراء حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في خطوة لافتة تمثل تطبيعاً للعلاقات بين البلدين وفقاً لاتفاق العلا الذي أنهى الأزمة الخليجية، إضافة إلى لقاء الرئيس المصري بأمير قطر في مؤشر على تحول في العلاقة بعد سنوات من الخلاف والتوتر.

واستمع الكاظمي من ضيوفه مواقف ورؤى تتسم بدعم كبير لاستراتيجيته في تغليب واقع الدولة على منطق اللادولة التي تحاول الفصائل الموالية لطهران فرضه على الواقع العراقي بقوة السلاح الإيراني إلى جانب تغليب ملف الاقتصاد كمدخل لتعزيز التنمية الاقليمية للحد من الإرهاب والتطرف والفقر، فيما اطلق رئيس الوزراء العراقي تعهدات تبدو صعبة التحقق من قبيل عدم جعل العراق ساحة للاعتداء على الدول المجاورة أو أن تكون الأراضي العراقية ساحة لتصفية الحسابات الدولية والإقليمية.

‏‎وتراهن بغداد على تعزيز علاقاتها مع دول الجوار وفتح أبوابها أمام الاستثمارات، وخاصة إقامة مشاريع في المناطق المتضررة من الحرب ضد تنظيم “داعش”.

ويعمل الكاظمي إلى جانب تطوير العلاقات في مجال الاقتصاد والتجارة والاستثمار إلى تهيئة الأوضاع في المنطقة وفقاً لمرتكزات يمكن تأطيرها إيجابياً من خلال مغادرة سياسة المحاور وتحقيق التوازن الإقليمي لخدمة مصالح العراق أساساً.

ومثلت القمة ثمرة ١٢ زيارة خارجية قام بها الكاظمي منذ توليه المنصب وإبرام العديد من مذكرات التفاهم وتشكيل مجالس التعاون العربية وإطلاق جولات الحوار مع واشنطن ما يدلل على رهانه بأن تكون السياسة في خدمة الاقتصاد.

وباتت لافتة الاندفاعة الفرنسية القوية تجاه بغداد التي جسدتها الأحضان الدافئة بين الرئيسين ماكرون والعراقي برهم صالح ورئيس الوزراء الكاظمي في مؤشر يظهر اهتمام باريس بإيجاد موطئ قدم لها في الساحة العراقية وخاصة في محافظة نينوى ومركزها الموصل ومنافسة الوجود الأميركي الذي بات متراجعاً أكثر من أي وقت مضى، ما شجع فرنسا إلى الدخول لإقامة شراكة استراتيجية وضمان استعادة وهجها في العراق إلى سابق عهده والدخول بشراكات في مختلف المجالات وتعويض خسارات فرنسا الإقليمية وخاصة في لبنان التي اخفق ماكرون حتى الآن في تحقيق رؤيته لحل الأزمة اللبنانية.

كما وضعت كلمات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني النقاط على حروف خطط التعاون العربي ورفض عسكرة المجتمع العراقي وأهمية الركون إلى التهدئة وتعزيز الاستثمار والتنمية.

وكان المؤتمر فرصة مهمة أطلق منها الوفد السعودي من خلال وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان عدة رسائل مهمة لدعم الاستقرار والأمن والتنمية في منطقة الشرق الأوسط ومساندة حكومة مصطفى الكاظمي، فالعلاقات بين الرياض وبغداد تشهد نمواً مطّرداً في كافة المجالات سواء السياسية أو الاقتصادية أو الاستثمارية أو الطاقة.

أما وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان فقد تلا خطابه باللغة العربية رغم صعوبة نطقه لها ما يشير إلى رغبة إيرانية مع تولي الرئيس ابراهيم رئيسي للرئاسة الإيرانية للتودد ومحاولة التقرب إلى دول الخليج العربي خاصة والدول العربية على وجه العموم وإرسال إشارات بتطلع بلاده إلى فتح صفحة جديدة من العلاقات على الرغم من أن المخاوف بشأن تمدد المليشيات المدعومة من إيران في العديد من الدول العربية تمثل عائقاً أمام السلام في المنطقة.

وانحرف وزير الخارجية الإيراني بخطابه عن موضوع القمة وتحدث عن الوجود والدور الأميركي في المنطقة إلى جانب دعم إخراجهم من العراق في تدخل واضح بالشأن الداخلي فيما كان لغياب سوريا عن القمة مكان في كلمته بعد رفض أكثر من دولة تواجد رئيس النظام بشار الأسد كما ترك المكان المخصص له في الصف الثاني ووقف في الأمام إلى جانب الرؤساء أثناء التقاط الصور التذكارية.

ويمثل عقد القمة في بغداد نجاحاً واضحاً للدبلوماسية العراقية واستعادة دوره المحوري والمركزي في المنطقة ومعالجة القضايا العربية وأن لا يكون جزءاً من أي محور إقليمي رغم محاولات إيران تثبيت نفوذها وترسيخه عبر وكلائها السياسيين وأذرعها العسكرية وإبعاد العراق عن محيطه العربي.

شارك المقال