“حزب الله” يسخّف ربط الحكومة بالإقليم لكنه يعظِّم المؤامرة

وليد شقير
وليد شقير

يستهزئ الأمين العام لـ”حزب الله” بربط بعض التحليلات مسألة تعثر تأليف الحكومة بالوضع الإقليمي وبمفاوضات فيينا وانتظار غيرها من الأحداث الإقليمية. فعل ذلك مرات عدة على امتداد السنة الماضية، من أجل تبرئة الحزب من تهمة تغطية شروط حليفه الرئيس ميشال عون المسكوبية على الرئيس المكلف نجيب ميقاتي.

وهو في كل مرة يعلق على هذا الاستنتاج الذي وصل إليه معظم الوسط السياسي اللبناني على مدى الأشهر الماضية، يعتبر الحديث عن رهن ولادة الحكومة من قبل إيران بمجريات الصراع الأميركي الإيراني “كلام فاضي وتافه”، فيسخّف ما ينطق به خصومه، ويستبق بذلك ما يمكن أن يتبادر إلى ذهن بعض حلفائه بأنه لا يرغب بقيام حكومة، لإبعاد الشبهة عن الحزب بالتسبب بالفراغ الحكومي.

في الغرف المغلقة، حتى بعض هؤلاء الحلفاء لا يترددون في الدعوة إلى انتظار هذا الحد الإقليمي أو ذاك، أو الاستحقاق الانتخابي الإيراني أو ذاك من أجل استكشاف الخيط الأبيض من الخيط الأسود في موضوع الحكومة.

وبعض الحلفاء وبعض الخصوم يتفقون على جواب واحد حين يُسألون عن سبب عدم تدخل الحزب في شكل جدي مع حليفه عون – جبران باسيل لخفض سقف شروطهما التي تحول دون ولادة الحكومة: “وماذا يضير الحزب ألا تتشكل الحكومة ويستمر الفراغ، إذا كان هناك من يتولى مهمة عرقلتها بالنيابة عنه خصوصاً أن قراره مراعاة حليفه المسيحي نظراً إلى الغطاء الذي يؤمنه له عبر الرئاسة وعبر “تكتل لبنان القوي” النيابي أكبر كتلة نيابية مسيحية في الوظيفة التي يلعبها في لبنان كمقاومة ضد إسرائيل، وكفصيل مسلح يعارض قسم كبير من اللبنانيين احتفاظه بسلاحه واستخدامه فائض القوة في التوازنات الداخلية، وكحليف لصيق لإيران وكمنفذ لأجندتها؟

حتى الذين يجانبون توجيه التهمة للحزب بأنه يقف وراء تأخير الحكومة لأهداف إقليمية وإيرانية حتى لا يستفزوه، لمعرفتهم بأن اتهام القيادة الإيرانية بهكذا تهمة أشبه بالمحرمات عنده، فهم يتفادون ذلك حتى لا يرتب عليهم موقفاً سلبياً يجر إلى تسعير الصراع السياسي في البلد، ليس الظرف مناسب له، يقولون في الغرف المغلقة إنه إذا أراد “حزب الله” قيام الحكومة ستولد وإذا لم يرد فإنه سيترك لحليفه العوني أن يواصل اختراع الشروط والمطالب باسم حقوق المسيحيين والشراكة والميثاقية، حتى لا تكون هناك حكومة.

في لبنان لا أسرار في السياسة. فمنذ اليوم الأول لتكليف الرئيس نجيب ميقاتي لم يخفِ بعض قادة “التيار الوطني الحر” بأن رئيسه النائب جبران باسيل اتفق مع قيادة الحزب على أنها لن تتدخل للضغط عليه من أجل أن يعدل مواقفه وأنه حصل منها على حرية طرح ما يطلبه في الحكومة. هؤلاء لم يحاولوا توليف الموقف بعبارات منمقة، أو بطريقة مداورة، بل قالوها بوضوح: “ما في حكومة”.

حصلت محاولة ثني الفريق الرئاسي عن تكبير حجر شروطه ومنها الحصول على الثلث المعطل مرة، بناء لإلحاح الركن الثاني في الثنائي الشيعي الرئيس نبيه بري على أن البلد لم يعد يحتمل البقاء بلا حكومة، إبان تكليف زعيم تيار “المستقبل” سعد الحريري، وأنه لم يعد جائزاً مراعاة الحزب لحليفه إلى درجة تعطيل الحلول لأزمته الاقتصادية. من المعروف أن مسايرة الحزب للحليف العوني عندما كان الحريري يسعى إلى إخراج الحكومة من عنق الزجاجة تحولت إلى سبب لخلاف غير مسبوق بين الرئيس بري وبين الحزب، الذي عمل على استيعاب ذلك الخلاف وتنفيس الاحتقان الذي أخذت مظاهره تبرز بين الجانبين في الشارع، عبر القيام بوساطة بين الفريق الرئاسي وبين الرئيس المكلف في حينها. إلا أن سعي الحزب هذا كان مرحلياً وغير حاسم. ومن عادة الرئيس بري أن ينكفئ عن القيام بأي جهد لحلحلة الأمور وإيجاد المخارج، إذا كان لحليفه توجه مناقض يتمسك به لأغراض تتعدى الساحة اللبنانية ترتبط بالأهداف الحيوية لطهران. وهذا ما يفسر شبه انكفائه الحالي مع تكليف ميقاتي. فتحركه يقتصر على تكليف معاونه النائب علي حسن خليل بمتابعة آخر مستجدات اللقاءات بين عون وميقاتي، وتقديم النصح للأخير حين يستمزج رأيه. وهو لا يبدو لمن يلتقيه متفائلاً بأن يفرج الفريق الرئاسي عن الحكومة، لكنه يفضل أن يلوذ بالصمت…

في خطبه الأخيرة دأب نصر الله على الاكتفاء بتكرار عبارة واحدة: تشكيل حكومة هو المدخل الطبيعي بالحد الأدنى لإدارة الأزمة وللبدء بالحلول لمواجهة هذه الأزمات. وأفرد لأزمة التأليف فقرة قصيرة مقابل استرساله في الحديث عن الوضع الإقليمي وأفغانستان وهزائم الأميركيين ومؤامراتهم على الشعب اللبناني عبر منظمات المجتمع المدني، على رغم اعتباره الحكومة الممر الإلزامي للخروج من الأزمات. بل أفرد مساحة أكبر في إطلالاته الأخيرة، لتناول مسألة طوابير البنزين ودعوته الجمهور إلى الصبر والهدوء ونصحه المواطنين بعدم الانجرار إلى إطلاق النار جراء الخلاف على محطات الوقود، وزجره من يخزنون المحروقات، قياساً إلى ما خصصه من كلام عن الحكومة. وهذا وحده كفيل بالإضاءة على مدى الأهمية لأولوية قيام الحكومة، بل اعتبره كثر مؤشراً على أن الفراغ الحكومي طويل… فالحزب عقله في مكان آخر، في الإقليم، ويقيس وضع لبنان استناداً إلى تقييمه لما يدور في محيطه، بين محور الممانعة وبين أميركا…

في زمن يخوض فيه هجوم دفاعي إزاء الحملات على إيران إقليمياً، وعليه وعلى سلاحه في لبنان لإلحاقه البلد بمصالحها، لا يرى كثر أن الحزب يحبذ قيام حكومة، تعلن مثلاً رفضها استقبال بواخر مازوت وبنزين إيرانيين تجنباً للعقوبات، في وقت بات هذا الأمر فرصة جديدة لطهران كي تتحدى الحظر الأميركي على تصدير نفطها وكي توسع الاستثناءات لهذا التصدير، لإراحة وضعها الاقتصادي ولو نسبياً.

أليس لهذا السبب تعتبر كتلة “الوفاء للمقاومة” أن الهدف من الحصار (الأميركي) على لبنان إبعاد المقاومة وحلفائها عن التأثير في القرار السياسي والاقتصادي…؟ عندها أقصر الطرق هو الحؤول دون قيام المؤسسة التي عليها اتخاذ “القرار”.

شارك المقال