fbpx

المراجعة المطلوبة (٤)… إصطياد الرؤوس الكبيرة

زياد سامي عيتاني
تابعنا على الواتساب

منذ أن فتح “حزب الله” جبهة المشاغلة في جنوب لبنان، بقيت المواجهات بينه وبين العدو الاسرائيلي ضمن قواعد الاشتباك، إلى أن بدأت تتكشف القائمة عن اغتيال الكوادر والقادة الميدانيين للحزب وتدمير القرى الحدودية الملاصقة للخط الأزرق. ففي موازاة حرب الإبادة والتدمير التي شنتها إسرائيل على غزة، كثفت عمليات الاغتيال لقادة وكوادر تنظيمات المقاومة الفلسطينية، و”حزب الله”، فضلاً عن قيادات عسكرية واستخبارية إيرانية في سوريا.

وبدأ الجيش الاسرائيلي بتطبيق سياسة الاغتيالات بصورة ملحوظة بحق قياديين في الحزب، بعدما ضغطت الولايات المتحدة الأميركية على إسرائيل لمنعها من شن عملية عسكرية واسعة في جنوب لبنان. وبدا لافتاً من خلال تقييم عمليات الاغتيال، أن إسرائيل تعمل بموجب بنك أهداف يتضمن بنى تحتية وقيادات عسكرية لـ “حزب الله” و”حماس”، والمؤشر هو أسماء القادة الميدانيين الذين يشغلون مواقع حساسة في الهيكلية التنظيمية للحزب. ويتبين من خلال لائحة الاغتيالات، أن إسرائيل تمتلك بنك معلومات ضخماً عن معظم القيادات، بحيث تعتمد على قدرات تكنولوجية عالية جمعتها منذ عام 2006 عبر تتبع إشارات الاتصالات، وعبر جمع بيانات من المسيّرات والطائرات التي لم تفارق سماء لبنان طوال 17 عاماً، مكنتها من جمع داتا عن منازل القيادات وسياراتهم والأشخاص الذين يتواصلون معهم، خصوصاً خلال إنخراط الحزب في الحرب السورية، حيث انكشفت قياداته أمنياً ومخابراتياً أمام الرصد والتتبع الاسرائيليين.

وهدفت إسرائيل من خلال تبني إستراتيجية الاغتيالات الى تحقيق مجموعة من الأهداف والمقاصد العسكرية والنفسية والبنيوية، ومن أبرزها:

  1. تأكيد قدراتها الردعية، من خارج القواعد الكلاسيكية للمعارك العسكرية. 2. وضع قيادات الحزب تحت الضغط، للحد من فاعليتهم، جراء إجبارهم على اتخاذ تدابير أمنية تحد من هامش حركتهم واتصالاتهم.
  2. تفريغ البنية العسكرية للحزب من القادة المخططين للمعارك والمشرفين على ادارتها، وكذلك القادة الميدانيين، الذين ينفذون عملياً على أرض المعركة الخطط العسكرية.
  3. تكبيد الحزب فاتورة باهظة الثمن من خلال تصفية قيادات من الصف الأول على الصعيد العسكري.

لا يختلف إثنان على حجم الخسائر البشرية التي تكبدها الحزب منذ الثامن من “أكتوبر” على صعيد كبار قادته العسكريين، الذين كان آخرهم الشهيد فؤاد شكر، الذي حتى يوم اغتياله، لم يكن اسمه يتردد في المجال العام، على الرغم من أنه كان مدرجاً على قائمة الارهابيين المحظورين لدى الولايات المتحدة منذ 2015، إلا أن شكر وفق الكثير من التقارير الاعلامية، كان القائد العسكري الأعلى رتبة في “حزب الله”، والثابت أنه كان قائداً رفيع المستوى في المجلس الجهادي التابع للحزب، حيث كان مسؤولاً عن إحدى الوحدات العسكرية المتخصصة في الصواريخ والمدفعية، التي كانت تحت القيادة المباشرة لعماد مغنية، حتى اغتياله في دمشق عام 2008. وبعد مقتل مغنية، سُلم دوره كمستشار عسكري للأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله، إلى مصطفى بدر الدين. وبعد مقتل الأخير في 2016، لم يُعهد دور المستشار العسكري لشخص بعينه. وبدلاً من ذلك، تشكل المجلس الجهادي لـ “حزب الله” من عدد من القادة البارزين، من بينهم فؤاد شكر.

وإذا كان شكر آخر القادة الذين إغتالتهم إسرائيل، فإنها قبل ذلك نفدت مجموعة كبيرة من عمليات الاغتيال طالت عدداً كبيراً من قيادات الحزب، أهمهم: إسماعيل يوسف باز: قائد القطاع الساحلي لـ “حزب الله”، محمد حسين مصطفى شحوري: قائد وحدة الصواريخ في القطاع الغربي لقوة الرضوان، علي أحمد حسين: قائد منطقة حجير التابعة لقوة الرضوان، علي عبد الحسن نعيم: نائب قائد وحدة الصواريخ والقذائف في “حزب الله”، علي محمد الدبس: قائد مركزي في قوة الرضوان، حسن محمود صالح: قائد الهجوم في منطقة جبل دوف، محمد علوية: قائد منطقة مارون الراس، حسن حسين سلامي: قيادي في وحدة ناصر، وسام الطويل: قائد قوة الرضوان التابعة للحزب، علي حسين برجي: قائد منطقة جنوب لبنان من الوحدة الجوية للحزب، حسين يزبك: القائد المحلي في الناقورة، عباس محمد رعد: قيادي في قوة الرضوان ونجل رئيس كتلة “حزب الله” النيابية.

لا شكّ في أنّ الاغتيالات هدفها الإضرار بالهرمية العسكرية داخل الحزب وإفقاده عناصر الخبرة والقيادة، اعتقاداً من اسرائيل أن ذلك ينعكس تراجعاً في أدائه القتالي والعسكري، على الرغم من معرفتها الراسخة أن الحزب يعتمد في هيكليته العسكرية على هرمية أن لكل قائد نائباً له أو أكثر، إنطلاقاً من عقيدته بأنه حزب جهادي وأي مسؤول فيه عرضة للإستشهاد أو الإغتيال. لكن المؤكد أيضاً، أن ما أسمته إسرائيل بسياسة “إصطياد الرؤوس الكبيرة”، جعلت الحزب يخسر قادة بارزين ممن يتبوؤون مسؤوليات ومواقع متقدمة وطليعية في بنيته العسكرية في مواجهة أقرب الى الإستنزاف في منطقة وسطى بين “الحرب واللاحرب”.

شارك المقال