في 16-8-2024 عرض الاعلام الحربي لـ “حزب الله” مقطعاً مصوراً لفيديو بعنوان “جبالنا خزائننا”، تظهر فيه منشأة في أنفاق ضخمة تحت الأرض لإطلاق الصواريخ باسم “عماد 4″، تضم راجمة للصواريخ وتجهيزات عسكرية. وكشف الفيديو، الذي بلغت مدته أربع دقائق ونصف الدقيقة، عن منشأة عسكرية تحمل الرقم 4، ويُظهر القدرات الصاروخية للحزب، ويكشف عن مستوى عالٍ من السرية والمتانة في تحصينات هذه المنشأة.
ووصفت المنشأة حينها بأنها “مدينة تحت الأرض” مجهزة بالكامل، وأن موقعها الدقيق يظل مجهولاً وكذلك أماكن دخولها وخروجها، بالاضافة إلى الأنفاق السرية التي تمتد إلى أماكن غير معروفة، بما في ذلك إمكان إمتدادها إلى أراض شمال فلسطين المحتلة، وبالتالي فإن الفيديو الذي تم عرضه يوضح أن هذه الأنفاق تستخدم لعبور آليات وشاحنات وحتى سيارات رباعية الدفع، كما أنها مجهزة بتقنيات حديثة تشمل الإنارة ووسائل الاتصال، وتتألف من عدة طبقات وليس طبقة واحدة، ما يعكس مدى الراحة العملياتية التي توفرها لقياداته السياسية والعسكرية وعناصره تحت الأرض، في منشأة تمتد على مساحة شاسعة.
نشر الحزب لذلك الفيديو، يندرج في سياق الحرب “النفسية” التي يخوضها مع العدو الاسرائيلي، للتأكيد له ولجمهوره قدراته التحصينية ومناعتها، التي تجعله بكل تكويناته القيادية والعملاتية خارج إطار الاستهداف الاسرائيلي، حتى ولو إندلعت حرب شاملة على غرار حرب تموز 2006.
التذكير بذلك الفيديو، مرده إلى الضربة القوية التي تلقاها الحزب في الصميم الجمعة، عندما قصفت المقاتلات الاسرائيلية أحد المباني في منطقة الجاموس في الضاحية الجنوبية بأربعة صواريخ، استهدفت اجتماعاً لـ”وحدة الرضوان”، قوة النخبة التابعة للحزب، في طابق تحت أرضي، وأدت الغارة إلى مقتل 16 عنصراً من بينهم قائد الوحدة إبراهيم عقيل، بالاضافة إلى القائد أحمد محمود وهبي الذي قاد حتى بداية العام الحالي العمليات العسكرية لـ”وحدة الرضوان”، فضلاً عن غالبية القادة المشاركين في الاجتماع.
وجاءت هذه الضربة بعد أقل من 24 ساعة على “مجزرة الثلاثاء والأربعاء” كما أسماها الأمين العام لـ “حزب الله” حسن نصر الله، قاصداً أكبر خرق أمني تعرض له الحزب، والمتمثل في تفجير أجهزة استقبال الاتصالات “البايجر” التي بحوزة كوادر الحزب وعناصره يوم الثلاثاء، وأعقبه تفجير آخر يوم الأربعاء لأجهزة الاتصالات اللاسلكية التي يحملها أيضاً عناصر الحزب، وأدت هاتان المجزرتان إلى سقوط 37 شهيداً وإصابة 2931 شخصاً غالبيتهم من الحزب.
إغتيال القيادي العسكري الكبير في الحزب إبراهيم عقيل وقادة “وحدة الرضوان” التابعة له، يطرح جملة تساؤلات ملحة، تتعلق بما أحاط عملية الاغتيال: كيف لـ”حزب الله” الذي يتمتع بقدرات أمنية مناعية متشددة ومتقدمة لتوفير الحماية لكيانه، أن يعقد إجتماعاً موسعاً (20 قيادياً) في طابق تحت الأرض لمبنى سكني، بعد الخرق الأمني غير المسبوق الذي تعرض له، والذي يستوجب إجراءات وتدابير أمنية إستثنائية؟ كيف يمكن لاسرائيل الوصول الى ابراهيم عقيل المستهدف، الذي تمكن من الإفلات من مطاردة الولايات المتحدة منذ العام 1983، والتي صنّفته “إرهابياً”، على الرغم من أنها رصدت مكافأة قدرها 7 ملايين دولار لمن يُقدم معلومات عنه؟ هل عمليات تفجير أجهزة “البايجر” و”الووكي توكي”، تمكنت من تعطيل شبكة إتصالات الحزب والتواصل “عن بعد” بين تشكيلاته وأطره القيادية، ما دفعه الى الوقوع في “خطأ” عقد الاجتماع المذكور؟ هل شبكة الاتصالات الأرضية الخاصة بالحزب (التي كانت من أسباب 7 أيار)، لم تعد موضع ثقة عند الحزب، خصوصاً مع معلومات تم الكشف عنها في وقت سابق عن إكتشاف الحزب لخرقها من العدو الاسرائيلي؟ هل يعقل عقد إجتماع لـ 20 قائداً من “وحدة الرضوان” (التي تتهمها إسرائيل بالتخطيط لعملية إقتحام في الجليل الأعلى) في مكان واحد، خصوصاً في ظل الظروف الراهنة والاختراقات الأمنية المتتالية، قبل التمكن من تفكيك “ألغازها”، وإبطال مفاعيلها الكارثية على الحزب؟ كيف للحزب بما يتمتع به من “عقل أمني” أن لا يتخذ إجراءات إحترازية، تحاكي ما تعرض له من خرق وإستهداف، لا سيما وقف نشاطات القادة والاجتماعات الجماعية، حتى لو أدى ذلك إلى بطء في عملية التواصل في ما بينهم؟ لماذا لم يعقد الاجتماع في أحد أنفاق الحزب من فئة “الخمس نجوم” على غرار منشأة “عماد 4″، التي كشف عنها الحزب “مفاخراً” عندما نشر فيديو يظهر كل أركانها وتجهيزاتها العسكرية و”الترفيهية”؟
ما تعرض له “حزب الله” ليس مجرد إستهداف عادي يندرج في الاطار الممكن حصوله في الحروب بين طرفيها، بل هو أشبه بزلزال أمني وعسكري تسبب في تصدع البنية الداخلية للحزب (على الرغم من تأكيد أمينه العام عدم تأثرها)، وقد يحتاج إلى فترة زمنية لإعادة ترميمها وتمتينها. وهذا “الزلزال” لا يعفي الحزب من المسؤولية، بمعزل عن عدوانية إسرائيل وعدائيتها. الجرأة والشجاعة تقتضيان من الحزب إجابات صريحة وواضحة عن تلك التساؤلات المركزية، بعيداً عن المكابرة، بعد إجراء ما يلزم من تحقيقات وتقييم ومراجعة، وبالتالي الكشف عن “الفجوات” الأمنية وعن كل مكامن الخلل الاجرائي، لأن ما حصل يرتقي إلى مصاف الكارثة الحقيقية، ويجب التعاطي معها على هذا الأساس.