حكومة الـ14 غير قابلة للحياة بعد انسداد أفق صيغة الـ24 

وليد شقير
وليد شقير

رمى الرئيس المكلف نجيب ميقاتي اقتراح الحكومة المصغرة من 14 وزيراً وتضم عدداً من الأقطاب بعدما بلغت عملية التأليف مرحلة مسدودة الأفق، لاسيما إثر تبادله بيانات الاتهام بتعطيله مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بأسلوب يرقى إلى استخدام العبارات المقذعة على رغم تجنب كل من الجانبين تسمية الآخر بالاسم تجنباً للتسبب بالقطيعة أو بصعوبة إعادة التواصل.

فالعارفون بإخراج ميقاتي لفكرة حكومة الـ 14 وزيراً يقولون إنه “حين تقفل الطريق أمام مسار جرى العمل عليه طوال الأسابيع الماضية (حكومة الاختصاصيين غير الحزبيين من 24 وزيراً، لا بد من أن تبحث عن مسار آخر، لعله يعيد فتح الباب المقفل أمام المسار الأول لحلحلة العقد الذي واجهته، خصوصاً أن ميقاتي أقرن فكرته الجديدة بالتأكيد بحسب أوساطه أنها لا تعني التخلي عن خيار حكومة الـ24”.

يقر هؤلاء بأن ميقاتي لم يتشاور مع الأقطاب الذين طرح أسماءهم حول الفكرة ولم يستمزج أياً منهم، إلا أنه رمى الفكرة لاعتقاده بأنه بدلاً من الإتيان بوزراء يسمونهم الأقطاب كما هو حاصل في صيغة الـ24 وزيراً، فربما من الأفضل أن يتشكل مجلس الوزراء الذي تناط به السلطة الإجرائية وفق المادة 17 من الدستور، من هؤلاء الذين يسمون الوزراء خصوصاً أن الحكومة العتيدة مهمتها إنقاذية. وفي حال اشتراك الأقطاب فيها يتم تجنب السجال والتباين حول هذه الحقيبة أو تلك أو هذا الاسم أو ذاك، وهكذا يتحملون المسؤولية في شأن الخطوات المطلوبة.

ويبرر هؤلاء عدم تشاور ميقاتي مع الأقطاب في شأن فكرته بالقول إنه لن يفعل ذلك قبل التداول فيها مع رئيس الجمهورية حتى لا يعتبر أن هناك قفزاً فوق رأيه فيها، فتتعقد الأمور أكثر مما هي معقدة معه. وبالتالي وجب طرحها مع الرئيس عون ثم من بعدها فتح باب التشاور مع الأقطاب المعنيين.

الأوساط المواكبة لرمي ميقاتي الفكرة تختصر الهدف من ورائها بأنها تحرّك المياه الراكدة وتساهم في حلحلة العقد القائمة أمام ولادة الحكومة. فليس معقولاً أن تقف ولادة الحكومة عند تسمية وزير الاقتصاد مثلاً. وفكرة الحكومة المصغرة لم تأتِ من عبث، فهي ولدت جراء انسداد أفق البحث في حكومة الـ24 وزيراً.

وبعض الأوساط القريبة من الفريق الرئاسي ترجع بالذاكرة إلى طرح ميقاتي فكرة الحكومة التكنو سياسية قبل 10 أشهر بعيد اعتذار السفير مصطفى أديب في تشرين الأول 2020، معتبرة أن الرئيس المكلف ليس بعيداً من التفكير بضم السياسيين إلى حكومته طالما أن مهمتها إنقاذية وتحتاج إلى توافق القوى السياسية التي ستدعم خطواتها الإنقاذية.

إلا أن سياسياً بارزاً معارضاً للعهد وتحالف عون – “حزب الله” يعتبر أن طرح فكرة الأقطاب بحكومة مصغرة ليست قابلة للحياة، وهي حتى لا ترقى إلى مستوى المناورة أو الاقتراح، بل تشكل دليلاً إلى أن حكومة الـ24 التي كان يجري التداول فيها بين الرئيسين هي بدورها غير قابلة للولادة بسبب إصرار الفريق الرئاسي على الثلث المعطل فيها وبسبب استمرار “حزب الله” في رعاية إضاعة الوقت أمام قيام حكومة. ويرى السياسي نفسه أن الرئيس عون ليس في وارد القبول بحكومة تضم أقطاباً، لأن هؤلاء يتخذون مواقف حاسمة ولن يقبلوا بأن يدير رئيس الجمهورية عمل الحكومة على الطريقة التي كان يدير فيها عمل مجلس الوزراء متجاوزاً صلاحيات رئيس الحكومة والوزراء، وسيعتبر وجودهم تكبيلاً لسلطته، فضلاً أنه على خلاف معهم جميعاً. كما أن العديد من أسماء الوزراء الذين تسربت أسماؤهم في صيغة الـ24 هم من الدرجة الرابعة والخامسة والذين لا تتناسب شخصياتهم مع مهمة حكومة إنقاذية. بل أن وزراء حكومات الوحدة الوطنية التي نشكو منها جميعاً أفضل منهم.

ويضيف السياسي البارز نفسه بأن الفريق الرئاسي ليس مهتماً بإنهاء الفراغ الحكومي لا هو ولا “حزب الله”، بل هما مهتمان بإرسال الوفد الذي زار سوريا بحجة التفاوض على استجرار الغاز المصري والطاقة الكهربائية من الأردن، عبر سوريا، وبإرسال وفد من الطائفة الدرزية إلى دمشق يضم النائب طلال أرسلان ووئام وهاب، في عملية تمعن في ضم لبنان إلى المحور الإيراني، وبفرض الانفتاح على النظام السوري لمصلحة هذا النظام بمحاولة لاستغلال آلام اللبنانيين والإيحاء بالسعي لإيجاد الحلول لها.

ويشير السياسي البارز نفسه إلى أن الفريق الرئاسي قرر الارتماء كلياً في أحضان النفوذ الإيراني، وفي هذا السياق جاء اتصال النائب جبران باسيل بوزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، رداً على الحملة التي شنها وفد الكونغرس الأميركي الأربعاء الماضي على دور إيران الذي سموه بـ”الخبيث”. وهو اتصال جاء ليغطي مجيء الباخرة الإيرانية المحملة بالمازوت فيما الوفد الأميركي حذر من أن استقدام النفط الإيراني يعرض لبنان للعقوبات. فباسيل يمعن في الانحياز إلى هذا المحور لأن المعطيات عن محاولته رفع اسمه عن العقوبات وفق قانون “ماغنتسكي” عبر رفع دعوى قانونية في المحاكم الأميركية تفيد بأنه تلقى جواباً من قانونيين بأن هذه العملية ستأخذ وقتاً لأن أي مراجعة قانونية يفترض أن تتناول كل ملف من الملفات التي بررت لوزارة الخزانة وضعه على لائحة العقوبات بذاته. كما أن هذه المعطيات أفادت بأن القانونيين الذين سعى معهم من أجل القيام بهذه المراجعة أوضحوا أنها ستؤدي بوزارة الخزانة إلى الكشف عن الوثائق التي تملكها ضده خلال سير العملية القانونية للمراجعة التي سيقوم بها، ما يعني أنها ستصبح علنية وقد تؤدي إلى إجراءات جديدة في حقه.

وينتهي السياسي المعارض نفسه إلى القول إن إفشال ميقاتي في تأليف الحكومة سينقل الموقف من عون إلى مستوى مقاطعة الرئاسة في المرحلة المقبلة، في وقت بدأ بعض القوى السياسية يرفع الصوت مطالباً برحيله.

وفي كل الأحوال حفلت المطالعات التي استبعدت جدية فكرة حكومة الـ14 وزيراً بالحجج والمبررات. ويذكر البعض بأن البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي سبق أن طرح فكرة حكومة الأقطاب أثناء إحدى زياراته إلى القصر الرئاسي قبل زهاء شهرين وقبل اعتذار زعيم تيار “المستقبل” سعد الحريري، لكنها لم تلقَ قبولا من عون.

ورجح المراقبون أن ميقاتي لم يتشاور في شأنها حتى مع رؤساء الحكومات السابقين بدليل قول الرئيس فؤاد السنيورة بعد زيارته البطريرك الراعي أمس السبت في 4 أيلول، بضرورة تشكيل حكومة اختصاصيين مستقلين وغير حزبيين وغير مستفزين لوقف عملية الانهيار، مكرراً وجهة نظره المعروفة بأن قيام الحكومة لإرضاء السياسيين يعني أنها ولدت ميتة.

وفي مجال آخر من المعروف أن رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط ليس في وارد القبول بأن يكون في عداد أي حكومة منذ أخذ على نفسه الانسحاب من النيابة والوزارة. ويعتبر مقربون منه فضلاً عن ذلك أن حشر اسمه مع بعض الأسماء الأخرى مسألة غير واردة على الإطلاق في قاموسه وحزبه.

ويرى وزير سابق منخرط في الاتصالات الجارية لتأليف الحكومة أن ميقاتي يحاول عبر اقتراحه صيغة الـ14 وزيراً الحدّ من هيمنة “التيار الوطني الحر” على صيغة الـ24 وزيراً التي يناقشها مع عون نظراً إلى أن باسيل يسمي الوزراء المحسوبين على “التيار” وعلى رئيس الجمهورية ويختار الحزبيين والموالين بوضوح له. كما أن عون كان رفض صيغة الـ18 وزيراً حين كان ما زال الحريري مكلفاً بتأليف الحكومة بحجة الحرص على أن يكون لكل حقيبة وزير، فكيف سيقبل بصيغة الـ14 وزيراً؟

شارك المقال