بين ٢٠٠٦ و٢٠٢٤ هناك شيء ما تغير، فالحرب الأولى لا تشبه الثانية، وإن تلاقت بأطرافها أي “حزب الله” وإسرائيل، والأسباب كثيرة أولها أنها بدأت من جهة “حزب الله” بحرب إسناد بينما في الحرب السابقة أسر الحزب جنوداً إسرائيليين، وثانيها أن الحزب وإن حقق انتصاراً في ٢٠٠٦ يعود الحديث اليوم في هذه الحرب عما حققته حرب ٢٠٠٦ لجهة تطبيق القرار ١٧٠١، هذا إن قبلت به إسرائيل التي تطالب بتطبيق كل القرارات الدولية المتعلقة خصوصاً بالحدود مع لبنان.
مشهدية حرب تفتك بكل مفاصل لبنان، فهي لم تأتِ كسابقاتها ولبنان ينعم بالدعم العربي والدولي، مع وضع اقتصادي يمكن أن يقال إنه كان في حالة استقرار نسبية معزّزاً بتدفق استثمارات مرتفع، وبسيولة عالية لدى القطاع المصرفي الذي كان في ذلك الوقت يلعب دوراً أساسياً في الثقة باقتصاد لبنان، وفي الوقت نفسه، كانت السوق المالية في لبنان تتمتع بزخم إيجابي بسبب ارتفاع الاستثمارات الخليجية، وما حظي به لبنان في تلك الفترة من دعم دولي ومساعدات مالية عربية ساعده كثيراً على الصمود في وجه التحديات التي أفرزتها الحرب، التي تأتي هذه المرة والبلاد في وضع اقتصادي كارثي يفرض على لبنان تحديات غير مسبوقة كما ويأتي من دون الدعم الذي ذكرناه سابقاً، دعمٌ عمّر كل ما تدمر في تلك الأثناء، مع العلم أن القاسم المشترك الوحيد بين الحربين هو الدمار الهائل الذي تركته آلة العدو الاسرائيلي، وإن كانت حرب ٢٠٢٤ ستتفوق على ٢٠٠٦ بالخسارات الإنسانية من حيث عدد الشهداء والجرحى والمصابين.
بالانتقال الى الفوارق الأخرى هناك ما هو مهم وما هو أهم، ما يحمل صفة مهم في هذه الحرب ما سمي بوحدة الساحات إن كان مع غزة أو لبنان، بمعيتها تهيأ “حزب الله” لإسناد غزة وهو استند اليها كثيراً لملاقاته في حال حصول حرب على لبنان، لكن الحديث عن هذه الساحات كان أكبر من الفعل، إذ إنها لا ساندت خلال وقوفه إلى جانب غزة منذ ٨ أكتوبر الماضي، ولا وقفت معه في الحرب التي تواجهه فيها إسرائيل هذه المرة وحده، وإن كان هناك من يتحدث عن صواريخ من الساحات، لنرد ونقول أُلقيت تحت عنوان حفظ ماء الوجه لا أكثر، ولم تنجح الجبهة لا في تخفيف الضغط ولا في تقديم الإسناد.
أما من يحمل صفة أهم فهي الخطة الرئيسية التي بنى على أساسها العدو حربه مع لبنان جيداً، وهي التطور التكنولوجي الواضح والخطير، والتي أطلت برأسها من خلال تفجيرات pagers وتلاهاtalkie walkie ، ليعتبر هذا الخرق الأول من نوعه في مجال حرب مخفية بحسب توصيف الخبراء.
أما النقطة الرئيسية بين الحربين فهي مفصلية وتتمحور حول وضع الأمين العام لـ “حزب الله” حسن نصر الله، والذي اختلفت إطلالاته الاعلامية بينهما، فهو إذ كان يخطب بجمهوره في حرب ٢٠٠٦ بكلام المنتصر، بدأ يطل على جمهوره في ٢٠٢٤ بأسلوب يعطي انطباعاً بأنه قلق جداً وغير مرتاح لكل ما يجري حوله، خصوصاً مع الخسارة التي مني بها الحزب بعد هجوم “البايجر” وتلاه اغتيال مجموعة كبيرة من “قوة الرضوان”، لنصل إلى اليوم الذي تم فيه استهداف الأمين العام مع مجموعة ضيقة كانت متواجدة معه، في أعنف قصف شهدته الضاحية الجنوبية للمربع الأمني لـ “حزب الله”.
نقاط التقاء تقابلها فوراق كثيرة بين حرب وحرب، أبرز ما فيها أن “حزب الله” بما لا يدع مجالاً للشك مخترق ولكن حتى الآن لم يُعرف ما هو الخلل، لكن عُرف أين كمن هذا الخلل، وهو بصورة مباشرة كشف زيف وحدة الساحات، كما كشف أن إيران الأب الروحي للحزب ولأمينه العام الذي اعتبر الرجل المميز جداً لديها وهي انتخبته ومددت له لفترة لا تقل عن عشرة دورات متتالية، وإيران قبل الساحات هي من تركت “حزب الله” وأمينه العام وحيداً في حرب ٢٠٢٤، مقارنة مع ما قدمته في ٢٠٠٦، وهذا أخطر فرق بين الحربين.