عون يضع بيض الحكومة في “ثقة” باسيل

رواند بو ضرغم

اعتاد رئيس الجمهورية ميشال عون الترحيب بأي دعم يقدمه المجتمع الدولي لمساعدة لبنان على تجاوز الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة، فبات الأسهل عند رئيس البلاد أن يتسول المساعدات على أن يقدم التنازلات لتأليف حكومة إنقاذ، تضع البلاد على سكة وقف الانهيار وعودة انطلاقته وإعادة بث الحياة لشعبه.

على الخط الحكومي، يصر فريق رئاسة الجمهورية على أن العقد جميعها قد ذللت، وأن الإيجابية تسود التفاوض بين الصهرين (النائب جبران باسيل ومصطفى الصلح) وأن مشكلة وزارة الاقتصاد حُلت، ومخاوف الثلث المعطل قد تبددت من خلال تسمية المسيحيين من خارج حصة الاحزاب بالتوافق بين عون وميقاتي ووضع لائحة بالأسماء لهما لإيجاد اسمين مشتركين، فتبقى أزمة إعطاء “التيار الوطني الحر” الثقة للحكومة. هنا تؤكد مصادر مقربة من رئيس الجمهورية أن عون أبلغ ميقاتي بأن التيار سيعطي الثقة للحكومة، وتساءل عون: كيف لتياري السياسي أن لا يعطي الثقة لحكومة أنا موقع عليها؟ ولماذا يفاوض باسيل مع الصلح إذا كان لا يريد إعطاء الثقة؟ ولماذا يحاول تقريب وجهات النظر بين الرئيسين؟ في المقابل، مصادر مطلعة على أجواء ميقاتي تقول إنه سمع من الرئيس عون في لقائه الثامن معه تطميناً له بأن يضع ثقة التيار في جيبه، ولكنه عاد وسأله في اللقاء الثالث عشر عن الثقة، فأجابه عون بأنه سيتكلم مع صهره ولم يكن جوابه حاسماً، فارتاب ميقاتي من عدم تكرار التأكيد على ثقة التيار للحكومة… لذلك وفق المصادر المشاركة في التفاوض فإن مسألة الثقة لم تُحسم بعد، وباسيل لم يبلغ أحداً من حلفائه بأنه سيمنح الحكومة الثقة، في حين أن ميقاتي مصر على شرطه بأن حصة رئيس الجمهورية الوازنة تقابلها ثقة التيار. ولا تستبعد هذه المصادر أنه اذا جرى التوافق على الاسماء المتبقية بأن يعطي باسيل حكومة ميقاتي الثقة وخصوصاً أنه ارسل وراء كل الاسماء المسيحية المتفق عليها وعقد لقاءات معهم، ولكن الفرقاء المشاركين في الحكومة بانتظار موقف باسيل الرسمي والتزامه الثقة لكي تولد الحكومة في الساعات القليلة المقبلة.

وعن العقد التي ذللت تقول المصادر المقربة من عون لموقع “لبنان الكبير” إنه جرى الاتفاق بأن يكون وزير الاقتصاد سنياً، فطُرح في الاساس أن يسميه الرئيس عون ويوافق عليه الرئيس ميقاتي، وطرح عون في بادىء الامر اسم أحمد عويدات الذي اعتذر، وعاد ورشح جمال كبي لمنصب وزير الاقتصاد، لكن ما لبث أن أصر ميقاتي على تسميته هو وأن يوافق عليه عون، ولا يزال المنصب بانتظار التوافق على اسم سني يرشحه ميقاتي ويقبل به عون.

أما الاسمان المسيحيان المتبقيان فاتُفق على وضع لوائح بمرشحين من قبل عون وميقاتي للاتفاق على اثنين منهما، فطُرح العديد منهم وسقطوا مثل عضو بلدية بيروت انطوان سرياني، وغابي سلامي على المقعد نفسه، كما طرح على المقعد الماروني اسم سليمان جان عبيد ونجلا رياشي عساكر وأيضا رفضهما عون، لذلك اقتصر الاتفاق على العنوان العريض بانتظار التوافق على اسميهما.

ووفق معلومات “لبنان الكبير” فإن الثابتة هي أن لا يحصل أي فريق على الثلث المعطل، وعلى هذا الاساس عُقد لقاء مطول ليل الاربعاء  بين باسيل وصهر طه ميقاتي – مصطفى الصلح – لاستكمال الاتفاق على تركيبة الحكومة وحل أزمة ثقة التيار لها، ولا يزال العمل جاريا على هذه النقطة.

مصادر بعبدا تشير الى أجواء دولية مواتية لتأليف الحكومة، بدءا من ضغط فرنسي باتجاه التأليف، واجتماع عُقد مؤخرا بين السفيرة الفرنسية آن غريو والرئيس المكلف الذي صب باتجاه الاسراع بالتأليف، وصولاً الى تسليم أميركي للشأن اللبناني الى الفرنسيين ودعم مبادرتهم. كما أن القصر الجمهوري ينظر بعين الايجابية للاجتماع الرباعي في عمان لنقل الغاز الى لبنان، وغض النظر الاميركي عن الباخرة النفطية الايرانية ورسوها في بانياس.

وكذلك نقل مصدر بعبدا الارتياح للموقف السعودي الذي تمثل بزيارة السفير السعودي وليد البخاري الى عين التينة ولقائه الرئيس نبيه بري. كل هذه العوامل الخارجية بنظر بعبدا تصب في مصلحة التأليف، اضافة الى الايجابية في الداخل بحل أزمة الثلث المعطل وحل أزمة مشاركة رئيس الحكومة في الوفد المفاوض مع صندوق النقد الدولي بإعطاء السنة وزارة الاقتصاد، على الرغم من أن نائب رئيس الحكومة يمثله وهو سعادة الشامي المتخصص بالتفاوض مع صندوق النقد.

وتقول هذه المصادر إن رئيس الجمهورية لا يرغب بانهاء عهده بجلد ذاته، وهو أُنهك بالاتهامات الموجهة ضده باستبدال مجلس الوزراء بمجلس الدفاع الاعلى، واتخاذه للقرارات الاستثنائية، واتهامه بالعمل على التمديد لنفسه… لذلك تؤكد مصادر القصر أن رئيس الجمهورية يريد التأليف والاسماء التي اقترحها جرى تثبيتها، ولا خلاف بعد اليوم على الحقائب والاسماء، فإذا لم يتم التوافق على اسم سني لوزارة الاقتصاد فهذا يطرح علامات استفهام كبيرة حول نية ميقاتي بالتأليف، وسيعرضه للمساءلة المباشرة عن سبب التأخير. الا أن مصادر الرئيس ميقاتي تكرر بأن كل هذه الايجابيات لم تصل بعد الى التزام ملموس من فريق رئيس الجمهورية.

وفي التوزيعة النهائية، حصل عون على وزارة السياحة مقابل تنازله عن الاقتصاد لميقاتي، وجرى تثبيت هنري خوري وزيراً للعدل، وعبدالله بوحبيب للخارجية ووليد فياض للطاقة، أما الداخلية فللقاضي بسام المولوي والمال ليوسف خليل.

كل هذه الايجابية ممكن أن تتحقق، ولكن العبرة في الخواتيم، وخصوصاً أن المسار الحكومي الذي شهدناه أيضا مع الرئيس سعد الحريري كان يصل لمستوى عال من الايجابية، ويجري تبديده في اللحظات الاخيرة جراء استيلاد عراقيل وعودة الى الثلث المعطل والتمسك بتسمية المسيحيين، فإن رئيس الجمهورية يمتلك حق الفيتو للاستمرار في رفض الاسماء التي تتطلب التوافق بينه وبين ميقاتي، من ضمنها الوزير السني للاقتصاد والوزيران المسيحيان، ويستطيع أن يرمي تهمة التعطيل عليه، والعكس أيضا صحيح، فهل اكتملت النوايا لتأليف الحكومة خارج المصالح الشخصية وسيراً بالمصلحة العامة؟ الإجابة رهن للساعات القليلة المقبلة.

شارك المقال