الاستعصاء اللبناني المفتعل!

رامي الريّس

لا تُشكّل الأمراض اللبنانيّة المتفاقمة، على الرغم من ضراوتها وفداحتها وقساوتها، حالةً من الاستعصاء والاستحالة، بل يمكن التسجيل أن وصولها إلى هذه الدرجة من التدهور، وهو مفتعل إلى حدٍ بعيد، يعكس نوعيّة القيّمين على إدارة الشأن العام في لبنان: عدم الاكتراث إلى هموم الناس، وضع المصلحة الوطنيّة العليا في أدنى سلم الأولويّات، والاهتمام حصراً بالمصالح الفئويّة الخاصة حتى ولو سقط الهيكل على رؤوس الجميع.

هذا النوع من المسؤولين قلّما يتمتعوّن بحس المسؤوليّة أو بذاك الشعور المسمّى الحسّ الوطني أو القومي. هذه هي نوعيّة بعض الحكّام في لبنان ممّن يقبضون على زمام السلطة. إنّها النوعيّة الرديئة التي توحي للرأي العام أنّها تقوم بما يتعدّى حساباتها الخاصة وتضحّي في سبيل المصلحة الوطنيّة، بينما هي في الواقع تعطلها وتدمّر مرتكزاتها.

لا شك في أن غياب نظام المساءلة والمحاسبة معطوفاً على تعثّر القضاء وضعف معظم عناصره وارتهانهم للسلطة السياسيّة، فضلاً عن تداخل القوى السياسيّة من حيث تمثيلها النيابي مع تمثيلها الوزاري، والاختلال العميق في موازين القوى المحليّة بما يعكس الانحرافات الاقليميّة؛ كل هذه العناصر مجتمعة تجعل استنهاض الوضع اللبناني مسألة شائكة وفي غاية الصعوبة والتعقيد.

ولعلها العناصر عينها التي تدفع في اتجاه تنامي الحديث عن تغيير الصيغة السياسيّة الراهنة التي تعرّضت لاهتزازاتٍ كبرى نتيجة الانتهاكات اليوميّة لمفاهيمها ومضامينها التي صارت جزءاً من الدستور والميثاق. إنّها الصيغة عينها التي لم تُطبّق بشكل كامل لكي يُصار إلى الحكم الدقيق على مدى ملاءمتها للواقع اللبناني قبل الحكم عليها بالإعدام. وما طُبِّق منها، إنما تم تطبيقه بصورة مشّوهة ومجتزأة ولا يراعي سوى مصالح القيّمين على السلطة.

إن هذا التطبيق المشوّه لاتفاق الطائف الذي أسكت المدفع وأعاد توزيع الصلاحيّات السياسيّة وفق أسس جديدة، هو الذي سمح بإعادة إحياء طروحاتٍ لا تتواءم مطلقاً مع الحالة اللبنانيّة بسبب تفشّي الطائفيّة والمذهبيّة، وفي مقدمها طروحات الفيدراليّة اللبنانيّة التي لا تعدو كونها طروحات منفصلة تماماً عن الواقع القائم بكل تعقيداته، ولا ترمي إلى إنقاذ لبنان بقدر ما تسعى للنفاذ نحو تقسيم خفي، لن يحقق سوى المزيد من التشرذم والانقسام والهلاك.

إن الازدهار المتجدّد لهذه الطروحات المريضة كفيل بتحقيق المزيد من التشويش على الواقع المرتبك أساساً والذي ينذر بعواقب وخيمة في ظل استمرار تحالف العبثيّة والممانعة مما يجعل لبنان في مهب السقوط والدخول في منعطف خطير يهدّد وجوده واستمراره ويجعل رسالته القديمة المتمثلة بالتعدّدية والانفتاح والديموقراطيّة غير قابلة للحياة.

مخطئ من يظن أن تداعيات سقوط لبنان تقتصر على حدوده، فالمنعطف الراهن خطير جداً ولن يكون من السهل ضبط مفاعيله. هل الإنقاذ ممكن؟ طبعاً، على يد رجال الدولة. أين هؤلاء؟!

شارك المقال