قذارة السياسة خلف كواليس المسؤولين

د. أحمد عبدالله عاشور

ليس ذنبكم أو قدركم أيها القراء أن يصل مسامعكم صوت بصقة أو يصيبكم رذاذها المتطاير في كل اتجاه.

كان هذا حالي عند إصغائي لحديث صديق مسؤول عما تعرّض له من أحداث بعد اعتذاره عن عدم تكليفه لفترة قصيرة في منصب مهم. وقد روى لي ما حدث معه من اتصالات ومباحثات مع مسؤولي الأحزاب والطوائف خلال هذه الفترة.

قررت أن أسطّر هذه الأحداث لأنقل إليكم الصورة الحقيقية، فاضحاً الواقع المرّ لهؤلاء المسؤولين.

استأذنت صديقي لأسرد الوقائع وأذكر الوثائق بالأسماء والمناصب بوضوح، لكنه اعتذر بأدب بالغ حتى لا يسبب حرجاً أو إساءة لأحد.

عندما تستمع أو تقرأ تصريح أحد المسؤولين أو تشاهد مقابلة إعلامية له، فإنك تنبهر جداً بما يحتويه كلامه من مثاليات وأدبيات منمّقة ووعود بمستقبل باهر لمواطنيه وخطط مدروسة وتقديم التضحيات من أجل الوطن والشعب. وتزداد طرباً حين تراه نازلاً الميدان لمصافحة بعض أنصاره ومؤيّديه أو تلبية دعوة لزيارة موقع.

ولكن يؤسفني جداً يا أخي المواطن أنّ الواقع الفعلي لما يحدث في الخفاء صاعق ومرّ وصوره مختلفة تماماً عمّا يظهر أمامك.

لقد اتّضح بما لا يدعو للشّك، أنّ دهاليز السياسة وما يحاك فعليّاً خلف الكواليس بين معظم المسؤولين، بحران من القذارة والنتانة، لا يمتّان لمصلحة الوطن والشعب بأي صلة.

لقد ثبت بأنّ اهتمام المسؤولين منصبّ على مصلحتهم الشخصيّة والاحتفاظ بأكبر قدر من السلطة والاستحواذ على حصة الأسد مادّياً واجتماعيّاً. فهم لا يتورعون عن إعلان ذلك بين مؤيديهم، بل يستخدمونهم لتنفيذ أجنداتهم القذرة مع إلقاء بعض الفضلات لهم لإغلاق أفواههم.

لقد اتّضح بأنّ أهداف هؤلاء المسؤولين مختلفة تماماً عمّا يُظهرون في العلن، كخداعهم لشعوبهم بحديث معسول ومفردات وجمل طنانة منمّقة وقلب الحقائق. هذا كله ليس سوى استمالة لمشاعر المواطنين نحو أهداف خفيّة، فلا يغرّنك أسلوب أحاديثهم، فقد ثبت لي بأدلّة قاطعة أنّ عدداً كبيراً من هؤلاء المسؤولين حصلوا على دورات تأهيليّة خاصّة في فن إلقاء الخطب الرنانة واختيار العبارات والمواضيع المؤثرة في شعوبهم وطرق التأثير في المجتمع بالحركات وتعابير الوجه، من دون أن يكون من ورائها أي هدف حقيقي صحيح على أرض الواقع، لذلك فإنهم برعوا في إخفاء ما يبطنون وإظهار رسالة مختلفة لمن حولهم.

قد يختلف هؤلاء السياسيون في ما بينهم لتقسيم الكعكة لفترة طويلة قد تمتد لسنوات من دون الالتفات لمصلحة الشعب، وهذا ما حدث عند ترشيح رئيس الدولة لسنوات وتأخر ولادة الحكومة المشروط بحقائب وزارية معيّنة لفئة أو أحزاب أو حتى مجرّد هوس ومزاجيّة السلطة.

لقد سقط هؤلاء المسؤولون في بحر عميق ومحيط واسع من القذارة والخسّة، وتمادوا فيه بالاستعانة بأعوانهم لحمايتهم والتطبيل لهم، كما استغلوا الإعلام ووسائل الاتصالات الالكترونية لبثّ أكاذيبهم وتلميع صورهم الزائفة وقلب الحقائق.

أيها الحكام، كفى كذباً وخداعاً لشعوبكم! ألم تكتفوا بما حصلتم عليه في الماضي وحتى الآن؟ إنّ جميع دول العالم أدانت سوء إدارتكم وتقاعسكم عن إنقاذ البلاد من تدهور ودمار شامل حلّ بجميع القطاعات بسببكم، وقد يصل حد الإبادة الجماعية، ومن الصعب التعافي منه من دون تضحيات كبيرة في جميع المجالات.

سيفضح التاريخ مستقبلاً جميع هؤلاء الفاسدين ويعرّي زيفهم، وستكون فضائحهم مسطّرة في سجل من الخزي والذل في تاريخ لبنان.

ليس أصعب على الإنسان أن يصحو من غفوته ليجد نفسه محوطاً بكومة من الفاسدين ممّن منحهم الشعب ولاءه لإدارة شؤون البلاد، عندها سيفقد الثقة في كل شيء حوله.

متى تنجلي العتمة عن هذه الأحداث، ويتولى الحق والعدل حُكم المجتمع؟ نسأل الله تعالى عودة الأمن والأمان إلى لبنان وشعبه.

شارك المقال