عودة طالبان وتأثيرها في المشهدين العربي والإسلامي

كارين بولس
كارين بولس

مع عودة حركة طالبان الأفغانية، إلى الحكم من جديد، عاد الخوف إلى المنطقة العربية، ومنطقة الشرق الأوسط بكاملها، من انتشار الفكر المتشدد مرة أخرى وظهور تنظيمات إسلامية متشددة جديدة لم تخفِ في خطاباتها المتكررة عداءها للعديد من الأنظمة العربية القائمة، على شاكلة تنظيمي القاعدة وداعش، اللذين يختلفان من حيث الانتماء العقائدي والمرجعيّة الفكريّة والفقهيّة مع طالبان.

استقطاب الشباب العربي

ومع عودة طالبان، برز كذلك، مصطلح “الأفغان العرب” وهم مجموعة من الشباب العرب، انضمت الى تنظيمات مسلحة في أفغانستان وشاركت في القتال ضد الاتحاد السوفياتي في ثمانينيات القرن العشرين. وبعد انتهاء الحرب، عاد الكثير منهم إلى بلادهم، وشارك بعضهم في تأسيس جماعات مسلحة متشددة – متطرفة نفذت عمليات دموية في بلدان عربية عدة، ومثّلت امتداداً لفكر طالبان المتشدّد، واليوم هناك مخاوف من أن تمنح عودة طالبان الأخيرة دفعاً جديداً لهذه المجموعات لتبدأ جولة أخرى من الصراع مع الأنظمة العربية المعارضة لفكر طالبان وحكمها.

عودة الحركة التي تقدم نفسها كملهم ومرشد للحركات الجهادية، قد تخلق استقطاباً جديداً لبعض الشباب العربي الراغب في “الجهاد” ضد الأنظمة الحاكمة واهواء القابضين عليها، التي لا تتناسب مع فكرهم، مما سيجعل من أفغانستان مرة أخرى ملاذاً آمناً للجماعات المتطرفة والراغبين للانضمام لها. كما ستوفر لهم الخبرات والمعلومات والتدريب العسكري، وتخلق لهم دفعة معنوية للتمسك بفكر القتال والسلاح لتحقيق الأهداف وإنشاء أنظمة إسلامية متشددة على غرار طالبان.

مصادر مطّلعة على الشأن الأفغاني المستجد، استبعدت في حديث الى موقع “لبنان الكبير”، أن “تكون سياسة حركة طالبان الجديدة تُبنى على فتح جبهات قتالية مع الدول والأنظمة القائمة، بل بالعكس، إن الحركة تُحاول طمر المشاكل القديمة وإنهاءها”.

كما استبعدت المصادر أن “يستفيد الشباب العربي من بروز طالبان للدخول بمواجهة جديدة، فطالبان اليوم لا تحمل فكراً مواجهاً لهذه الأنظمة، لذلك فكرة استقطاب أفواج جديدة من الشباب العربي الى أفغانستان مستبعدة، لكن البعض منهم ما زالوا يعملون ضمن جو تنظيم القاعدة الموجود أصلاً في البلاد، وسيبقون هناك وسيكونون مع طالبان، فهذا أمر طبيعي”.

هوى طالبان وجماعة الإخوان

ومع السيطرة مجدداً على أفغانستان قد يتلاقى هوى طالبان مع هوى جماعة “الاخوان المسلمين”، فبعد وصفها عام 2001 “جماعة الإخوان المسلمين” عدوًّا ونظرت اليها بأنّها أشدّ خطراً على الإسلام من الشّيوعيّين، قامت طالبان في السنوات الأخيرة بتغيير كبيرٍ في موقفها منهم. وفي هذا الإطار، فتحت باباً واسعاً للعلاقة مع الجمعيّة الأفغانيّة للإصلاح التي تمثل واجهة جماعة الإخوان المسلمين في أفغانستان.

كما زارت الحركة الدّكتور يوسف القرضاوي، الذي كان له دور كبير في دعم التطرف في دول عربية عدة وأدرج اسمه في قوائم الإرهاب التي أصدرتها الدول الأربع السعودية ومصر والإمارات والبحرين. ووصف المتحدّث الرّسمي باسم طالبان القرضاوي بأنّه “الأب الرّوحي لجماعة الإخوان المسلمين”.

لكن المصادر تستبعد أن تلتقي “طلبان” و”الاخوان”، “فكلاهما من مدرسة مستقلة، وكل طرف لديه رؤية للواقع مختلفة عن الآخر”.

سرّ العلاقة بين حماس وطالبان

أما في العلاقة مع حركة “حماس”، فقد زار وفد طالبان في الدّوحة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنيّة، التي أعربت عن مباركتها “للشعب الأفغاني باندحار الاحتلال الأميركي عن الأراضي الأفغانية كافة”، وهنأت في بيان “حركة طالبان وقيادتها الشجاعة بالانتصار الذي جاء تتويجاً لجهادها الطويل على مدار عشرين عاماً مضت”، على حد تعبير الحركة الفلسطينية. كلّ ذلك يعكس الموقف الإيجابي الجديد لحركة طالبان من جماعة الإخوان المسلمين المنتشرة في المنطقة العربية.

في هذا السياق، ترى المصادر أن “تبادل الزيارات والتهنئة بين الطرفين أمر طبيعي، وإن كانت حماس تُعتبر أحد فروع الاخوان المسلمين وإن كانت من مدرسة مستقلة عن مدرسة طالبان، لكن في قضية تحرير الأرض والدفاع عن الأرض تلتقي بالفكرة معها، كما انه لا يمكن غض النظر عن أن ثقل حماس السياسي اليوم موجود في دولة قطر، كذلك حركة طالبان بشكل علني ليست موجودة الّا في قطر، بالتالي من الطبيعي أن يكون هناك علاقة وإن ظهرت حتى الآن على شكل زيارات ولقاءات متبادلة بين الطرفين”.

إذاً على الرغم من رغبة “نيو طالبان” المعلنة للانفتاح والتوصل الى تفاهمات مع الجميع وطمأنتهم، هناك متشددون يرون في وصول الحركة المتشددة إلى السلطة مجدداً “فتحاً مبيناً”، يُعوّل عليه لمقاومة “أعداء الإسلام والمسلمين”، فهل تبقى “طالبان الجديدة”، ملهمة للجماعات المتشددة وإيذاناً بعودة المد الأصولي من جديد إلى المشهدين العربي والإسلامي؟

شارك المقال