المبادرة الفرنسية بنسخة “متحوّرة”: قيام “أي حكومة” 

وليد شقير
وليد شقير

أصرّت باريس على حكومة بأي ثمن وضغطت على الفرقاء المعنيين فولدت الحكومة. بات الطموح الفرنسي بعد أكثر من سنة على مبادرة الرئيس إيمانويل ماكرون قيام تركيبة من الاختصاصيين والمستقلين غير الحزبيين، ولادة “أي حكومة”، نظراً إلى فشل كل الجهود السابقة مع سلفي الرئيس نجيب ميقاتي، السفير مصطفى أديب وزعيم تيار “المستقبل” الرئيس سعد الحريري، ثم معه في تطبيق الحد الأدنى من المواصفات التي وُضعت مع إطلاق المبادرة.

مهما اختلفت الآراء في تركيبة الحكومة وما إذا كانت مطابقة للمواصفات أم أنها لم تتضمن ثلثاً معطلاً لأي فريق، أو إذا كانت احتوت على ثلث معطل واضح للفريق الرئاسي، أم مستتر بسبب التباس انتماء بعض وزرائها، ومهما تباين التقييم لبعض شخصياتها، فإن مجرد ولادة الحكومة دشن دينامية جديدة لمحاولة إدارة الأزمة ولو مرحلياً، في شكل يسمح بخفض وطأة أضرار الانهيار الاقتصادي الذي غرق فيه اللبنانيون منذ سنتين من دون أن يحاول الفريق الرئاسي انتشالهم منه. وبالتالي فإن قيام حكومة “أي حكومة” أفضل من الفراغ الذي يولد انعدام الوزن للبلد ولسائر القوى السياسية فيه.

انخفض سعر صرف الدولار الأميركي فور الإعلان عن الحكومة في شكل يكرّس القناعة القائلة إن سعر صرف العملة سياسي لا يمت بصلة إلى الوضع النقدي المأزوم أصلاً. جرى التلاعب به في الأشهر الماضية هبوطاً وصعوداً، وقبل ولادة الحكومة وبعدها، من فرقاء مختلفين. وسيجد القادرون على الإمساك بخيوط السوق، طريقة للتلاعب بسعر الصرف حين تسنح لهم الفرصة في المرحلة المقبلة على الأرجح.

وكرس مع هذه القناعة أيضاً القاعدة القائلة بأن حسابات الوضع الإقليمي تلعب دورها في الإفراج عن الحكومة وإنهاء الفراغ الحكومي، بحيث تضطر القوى المحلية إلى الدخول في تسويات تنسجم مع التحولات الخارجية، نظراً إلى اقتراب القوى الفاعلة في الإقليم من مرحلة خيارات شبه حاسمة واهتمامات أين منها أزمة لبنان المتمادية في إشغال القوى الكبرى عن مصالحها الحقيقية. فالشهر الجاري سيكون مجالاً زمنياً لاختبار مدى قدرة العواصم الكبرى على تجديد التفاوض على الملف النووي الإيراني في فيينا، بينما هي مضطرة للتعامل مع تداعيات الانسحاب الأميركي من أفغانستان وما ولده من معادلة جديدة في آسيا الوسطى ومن مخاطر انفلاش طالبان بعد تسلمها الحكم، فوق الحدود الجغرافية للبلد الصعب والمعقد، سواء كانت هذه العواصم في الشرق أم في الغرب. وسواء صحت الاستنتاجات بأن اتصال الرئيس إيمانويل ماكرون بالرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي ساهم في التعجيل في إنجاز الحكومة بضغط من “حزب الله” على الفريق الرئاسي، أو صح الترويج لضغوط مورست على رؤساء الحكومات السابقين من قبل باريس أو أي عاصمة غربية أخرى لتسهيل التسوية التي يمكن أن يتوصل إليها ميقاتي أم لم يصح، فإن النتيجة التي نجمت عن ارتباط قيام الحكومة بالمناخات الإقليمية هي أن الخارج ليس مستعداً للانشغال بتفاصيل أزمة تأليف الحكومة أكثر مما حصل، وبوزير بالناقص أو بوزير إضافي لهذا الفريق أو ذاك، ولتكن “أي حكومة”.

يستطيع الفريق الرئاسي أن يتباهى بأنه حقق ما يريد وبإمكانه التوهم حول حصوله على ما يطمح إليه من تركيبة الحكومة، لأنه اجتمع إلى السواد الأعظم من الوزراء الذين “أُرسلوا” إليه ليمتحنهم أو ليكسر صفتهم المستقلة، قبل تعيينهم، إلا أن هذا كله يبقى في إطار الانتصارات الوهمية. كان هم الفريق الحاكم إبلاغ جمهوره بأنه لم يقدم أي تنازل بينما عليه أن يقنع هذا الجمهور بقدرته على تنفيذ شعاراته الإصلاحية الكبرى التي تتعدى السعي لإقالة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة عبر التدقيق الجنائي. فهل سيقدم

أما التنقيب في التباسات التي تحيط بانتماءات بعض الوزراء الحقيقية وما إذا كان بعضهم يكمل عقد الثلث المعطل، لم يعد الأمر مهماً بعدما ارتمت قيادة الفريق الرئاسي في أحضان “حزب الله” ومحور الممانعة. وإذا كانت هذه القيادة تنوي استخدام الثلث المعطل بهدف إقالة الحكومة فإن هذا الثلث بيد الحزب، ووظيفة استخدامه إقليمية وليست محلية، كما يعتقد الفريق الحليف، “التيار الوطني الحر”.

“أي حكومة” التي أرادتها باريس بهذه العجالة هي حكومة انتقالية حتى الانتخابات النيابية في ظل ميزان القوى الحالي في انتظار الانتخابات النيابية، سيكون برنامجها الإصلاحي نسخة متحورة عن المبادرة الفرنسية الأصلية التي انطلقت في 1 أيلول 2020 ، بحيث يجري التفاوض مع صندوق النقد الدولي على بعض الخطوات مقابل تخصيص جزء من قيمة أسهم حقوق السحب الخاصة البالغة 860 مليون دولار لتلزيم أحد معامل الكهرباء الجديدة، قبل التوجه نحو الانتخابات النيابية، إذا لم يطرأ ما يستدعي تأجيلها. أما باقي البنود فستترك لما بعد قيام البرلمان الجديد وللحكومة المقبلة.

شارك المقال