الفيدرالية: حل أم مستقبل مجهول؟

الراجح
الراجح

الفيدرالية هي مشروع حرب مستقبلية وتقسيم نهائي للبنان قائم على صراعات قد لا تنتهي وذلك لأسباب جغرافية واقتصادية وثقافية وسياسية وحتى نفسية.

فهي تتطلب على الصعيد الجغرافي تجانساً بين الطوائف والمناطق المعدة للدخول في الاتحاد الفيدرالي، وكما هو الواقع اللبناني نرى تداخل الطوائف والمذاهب في العديد من المناطق اللبنانية مما يحتم في حال السير بها طوعاً أو قسراً إلى حدوث أمور ثلاثة:

1 – أن تعمد الطائفة ذات الأكثرية العددية في الدولة الفيدرالية إلى فرض هيمنتها على الطوائف أو المذاهب الاخرى الاقل حجماً والتي تعيش تحت سيادتها. وفي هذه الحالة تكون الاقليات الدينية او المذهبية حكماً تحت رحمة الطائفة الاكبر عدداً مما يؤدي الى توتر ونزاعات.

2 – أن تقوم الطائفة الأكثر عدداً بتطهير مناطقها من الاقليات الدينية والمذهبية لتصل الى حالة الصفاء الطائفي او المذهبي، لاجئة لتحقيق ذلك للعنف والتخويف والتهجير. وتاريخ لبنان منذ اعوام 1975 – 1990 مليء بالامثلة على ذلك:

– حروب الجبل والشحار الغربي واقليم الخروب 1982 – 1985.

– صراعات الميلشيات للسيطرة على قرار بيروت الغربية.

– المواجهات بين حركة أمل و”حزب الله”.

– حروب الخيارات القوات ضد القوات 1985.

– حكومة عون العسكرية (انقلاب عسكري).

– عون – جعجع والغربية حرب المرافئ والمرافق شباط – آذار 1989.

– عون – جعجع حرب الإلغاء 1990.

3 – أن تكون طائفة من طوائف الفيدراليات مقطعة الاوصال ولا تتمكن من تشكيل وحدة بشرية متصلة مما يدفعها او يدفع بعض مجموعاتها إما الى الخضوع لسيطرة الطائفة الأكبر حجماً او الى النزوح طوعاً او قسراً الى مناطق جماعاتها الطائفية أو المذهبية وهذا يتعلق بشكل خاص بالطائفة السنية في مناطق عكار والبقاع الغربي وفي مدن طرابلس وبيروت وصيدا. أما تأثير ذلك في الطائفة الشيعية فهو بدرجة اقل حيث وجودها وبكثافة في البقاع وفي جنوب لبنان مع تأثر هذا الوجود في قضاء جبيل وهذا ينطبق على المسيحيين الذين يتوزعون في جبل لبنان وفي جنوبه وبقاعه.

ولصغر مساحة لبنان وامكاناته وثرواته الطبيعية المتواضعة، فإن الدولة الفيدرالية اللبنانية لن يكون في امكانها استيعاب كل المكونات الطائفية وتأمين سبل الحياة لها. لا بد من الانتباه ايضاً لمسألة اساسية وهي أن بعض الكيانات الطائفية المنضمة الى الدولة الفيدرالية ستتمتع بمنافذ على البحر فيما اخرى تمتلك سهولاً وتشكل كيانات داخلية وفي حال التناحر لا بد من أن يشكل هذا الواقع مأساة لمواطني الكيانات الاخرى، لنأخذ مثلاً من حقيقة تاريخية حين كان هناك دعوة مسيحية اثناء عهد المتصرفية لضم سهل البقاع الى جبل لبنان لأهميته الحيوية الاقتصادية للدولة المسيحية في الجبل!! ولن ندخل في تفاصيل الموارد الاخرى من مياه وغيرها…

حقيقة اخيرة وهي ان معظم الدول التي تعتمد النظام الفيدرالي تسودها ثقافة سياسية وشعبية تقوم على الاعتراف بالآخر والثقة به والرغبة في التعاون الاكيد معه. وهذا النظام يمكن اقامته في مجتمع يتكون من جماعات مستقلة قائمة بذاتها ومنفصلة عن بعضها فتشكل الفيدرالية عامل ربط بين هذه الجماعات وقد تؤدي الى توحيدهم.

أما في لبنان، وبسبب التعددية المجتمعية القائمة على الطائفية وعلى التباينات الثقافية بين الطوائف وعلى التجربة التاريخية لكل منها، فإن اقامة الفيدرالية التي من اولى شروطها الحس المدني الفيدرالي غير متوافرة مما يجعلها او يحولها الى مشروع تقسيمي قائم على التناحر وبخاصة أنه من مهام النظام الفيدرالي الإمساك بالسياستين الخارجية والدفاعية، وهما ما لم يتفق عليه اللبنانيون في ظل الدولة المركزية…

فلنقلع عن الأوهام، فنحن بحاجة الى ثقافة سياسية وطنية غير طائفية اهم مقوماتها الديموقراطية الحقيقية والاعتراف والثقة بالآخر ولنعلم ان الفيدرالية كانت ولا تزال وستبقى مشروع حرب مستقبلية في لبنان بين الطوائف على المنافذ والثروات وعلى الفرز الديني – المذهبي ناهيك بالاختلافات في التوجهات السياسية.

لا حل أمامنا إلا التمسك بالدستور.

شارك المقال